Archive for January 2014

لِمَ لا يا وطن؟


on , , ,

No comments

لِمَ لا يا وطن؟


تأخذني، تأخذني إلى حيث لا أعلم، إلى حيث لا أريد أن أعلم. تأخذني إلى عالم ليس أقل كآبة من هذا العالم الذي أعيش فيه، من هذا الواقع الذي يطاردني حتى في الأحلام فلا تصبح كوابيسًا توقظني ولا تصبح أحلامًا تُمتّعني، وإنما تصبح واقعًا مؤلمًا في لذة نومٍ كاذبة واهية. تمسك بيدي وتسحبني إلى طريق ناءٍ خالٍ من الإنس ومُعبّأ بأفكار لأناس عاشوا وماتوا هنا ولم يشعر بهم أحد. تأخذني على أمل أن أستجمع قواي وأنتشل هذه الأفكار من هذا المكان قبل أن تموت هنا وحدها مع صاحبها الذي أصبح عظامًا تحت التراب. تربّت على كتفي كمن هو على استعداد لدخول معركة لا يعلم من له النصر فيها. ثم تتركني، تتركني هنا، وحدي تتخبطني أمواج هذه العواصف الفكرية التي تأبى أن تهدأ لتستقرّ في داخلي، وكأنها تشعر أنني لصٌ ليس إلا.
ثم لاأدري ما الذي جاء بي إلى هنا ولمَ لم أهرب إلى مكان هادئ يبعث السكينة والطمأنينة في داخلي بدلًا من أن أصارع أفكار العالم، وهل لي من الطاقة ما يعينني على استيعاب أفكار الآخرين مكومة فوق أفكاري؟ هل لي من مُعين؟ لست أدري.
ثم أبدأ في العدو، أركض وأركض بلا توقّف حتى أطرد أفكاري أو أعيرها إلى وطنٍ يصحو ويغفو على أفكار حالكة مؤلمة يقتلني بها مع الصباح الباكر حتى ظلام الليل. ولِمَ لا؟ لم لا أعيرها إلى وطني؟ لم لا أعيره بعضًا من آلامي التي تنبع من أفكاره الحالكة التي أُقتل بها على مدار عمري حتى يقتلني القتلة الأخيرة، وأموت إلى راحة أبدية.
لمَ لا يا وطني؟ فلتأخذ بعضًا من آلامي كما تقتلني بالكثير من لياليك الحالكة التي أُحبس فيها وأموت موتًا بطيئًا.
أو اقتلني الآن مرة واحدة مؤلمة فهي أفضل من ميتات عديدة بطيئة عديمة الألم.

لمَ لا يا وطني؟

صمتان متقاطعان


on

No comments


صمتان متقاطعان


لملمني في كلماتك عندما يعجز لساني عن النطق، ثم لملمني في صمتك عندما أتحدث بكلماتٍ لا معنى لها. أفرِغ صبرك عليّ عندما لا أدري ما أريد وعند طمعي في الحصول على الدنيا وما فيها.
حدّثني بكلمات فيها من الجنون ما فيها من الحكمة والسكينة والطمأنينة حتى أُدرِك أنني لستُ المعنيّ الوحيد بالجنون. حدّثني عن قصص لا معنى لها ثم عن قصص فيها من المغزى ما تدمع له عيناي، ثُم اتركني أبكي على ما لم أعلمهُ من هذه الدنيا، أو ضمّني إليك عند احتياجي لهذا الاحتواء المتكامل كي أعود إلى أرض الواقع بعد ابتلاعي لآخر دمعة على شفتاي. مُدّ إليّ يدك كي تسحبني من خيالاتي التي تبتلعني أحيانًا إلى حد أنّي يغلبني التيه فلا أعلم من في واقعي ومن لم يخرج من خيالي، أو اتركني قليلًا قبل أن تسحبني كي أستمتع ببعضٍ من الضياع لكي أعود من جديد. حدّثني عنك بينما تُحدّق في أعماقِ أعماقي كي أعلم عنك بكلماتك وتعلم عنّي بصمتي فينشأ بيننا نصف حديث وحديثٌ كامل في نفس اللحظة. افصح لي من أسرارك ما لم تُفصح به لأحدٍ ثم عاملني كالغريب الذي يخاف أن ينطق فتنكشف روحه في كلمة.
حدّثني بلا انقطاع حتى أنسى ماهيتي وأنسى ما أريده من العالم من حولي، وأنسى ذلك الكمّ من الحزن الذي يتوغّلني كل ليلة تحت أغطيتي الشتوية التي تبتلع كياني فتأخذ كل ما يعبّر عن سعادتي، ثم تعطيني الحزن الذي لا يظهر إلا مع اختفاء ضوء القمر من غرفتي وحلول الهدوء الباعث للجنون في شوارعي المحيطة. حتى يبدأ صخب أفكاري وجنون تخيلاتي التي لا أستطيع أن أرسم حدودها، فتبدأ هي في رسم حدودها على جسدي ثم ذاكرتي ثم كآبتي. وتعطيني من الألوان ما هو أزرق ليليّ وأبيض قمريّ وأسود حالك، وتتركني بذكريات لا لون ولا عُمق لها، ثم بكلمات بلا معنى كهذي. ثم تتركني أغرق في صمت قاتل.
لا تترُكْني.
حدثني عن المزيد منك، عن ما تُحب وتكره، عن ما يستدعي صمتك وما يستدعي انقاذك لي من صمتي. حدثني عن من أنت علّني أعرف شيئًا عن نفسي. احكِ لي عن ذكرياتك الملوّنة علّها تبعث الإحساس والألوان لذكرياتي فيصبح في ليلي ألوان أخرى لا تقتلني كلما تلحّفت في غطائي. حدّثني عن الأحلام، أحلام الليل لا أحلام اليقظة التي كثيرًا ما تكون مليئة بالحُزن. حدّثني عن البدايات والنهايات والمتناقضات والمتشابهات والدفء والرعشة، عن رعشة الحبيب وعن دفء الغريب. احكِ لي عن حزن القريب وفرحة الغريب. حدثني عن كل شيء. عنك وعنّي وعن الدنيا وعن ما ليس في الدنيا، عن الأموات والأحياء والوجود والعدم. حدثني عن.. عن ماذا؟ عنّا.
لعلّني في يومٍ ما أكتشف من أنا، أو كما يقول درويش. علّني في يومٍ ما "أصيرُ ما أريدْ."