Archive for July 2013

ننسى ونُنسى


on , , ,

No comments


ننسى ونُنسى


كانت حقيقة لا يستطيع شخصٌ عاقل أو ناضج أن يُنكرها: كُلما زِدتَ عُمرًا كُلما اقترب شبح الموت منك وممن حولك بشكلٍ مُرعب. وقد حدث هذا أمام عيناي بعدَ أن وصلتني رسالة منذ حوالي عامين برحيلِك. كنتِ أقرب إلى زميلة لي ولستِ صديقة مُقرّبة. كُنا أحيانًا نجلس سويًا على مِنصة دكتورة الجامعة قبل أن تُعطي محاضرتها المملة الشهيرة والتي كنّا نحضرها لأن وجهها كان يملؤنا بالرعب وكأنه كُتب عليه "لن تنجحوا أبدًا أيها الفاشلون". مُحاضرة الأدب أو النصوص. كُنتِ ذات قلبٍ مَرح وكُنتِ تُحبين بلدك أشد الحُب حتى أحببتني فيها، السويس. ثم وبعد عامٍ ونصف من تخرُجِنا إذا بكِ تُرسلين بالرسائل إليّ وأنا لا أعبأ كثيرًا حيث أنني دائمًا ما كُنت أتجاهل رسائل من هم ليسوا مُقربين لي بسبب ضيق وقتي أو انشغالي بأمور أخرى، وكانت هذه آفتي العظيمة. لا أتذكّر كيف وكم من الوقت ندمت على هذه المعاملة المُريبة التي كنتُ أعاملها لمن يهتم بي، ولكنني أتذكر جيدًا وقع الخبر عليّ عندما أرسلت لي إحدى صديقاتي المقربات رسالة بها "موجة ماتت يا نعمة!!!". وقفتُ أمام الرسالة وأنا لا أدري ماذا أقول، هل كانت مريضة أصلًا؟ حادثة سيارة؟ يا ربّي ماذا حدث في لمح البصر؟ سألتُها في رسالة أخرى فلم أجِد منها هي أيضًا ردًا واضحًا. قال البعض أنها أصيبت بمرض خبيث في معدتها، وقال آخرون أنها كانت تُجري عملية الزائدة وفشل الأطباء في إنقاذها. ولكن هل المهم "كيف" ماتت أم المهم أنها ماتت وأنا لا زلتُ أنا ذلك الشخص السيء الذي تجاهل رسائلها السمحة الجميلة؟
ثُم إنني لن أنسى بعدها سلسلة غريبة من الوفيات من أقارب صديقات مقربات لي، ثم وفاتنا أنفسنا من الداخل، سلسلة من الأحزان والأوجاع اللامتناهية لابد لها وأن تزرع فينا نقصًا ما، تمامًا كما زرعوا هُم فينا ما يملأ جانبًا من حياتنا. من الصعب اقتلاع شيء تعودنا عليه وبدون أدنى تحذير أو استعداد لهذا النقص، من الصعب نسيان من لم ينسونا وهُم أحياء، إلا أننا ننسى، إلا أننا نعتاد على هذا النقص حتى يملأه شيء أو شخص آخر، لكن لابد للحياة أن تُنسينا ولو كان بمقدار ضئيل جدًا. تبًا للنسيان والحمد لله على نعمته في آن واحد.
تقترب مني سلسلة أخرى من واجبات "البقاء والدوام لله" و"إن شاء الله في الجنة" وعزاء هُناوعزاء هُناك، تقترب ولا أدري من سيأتي، أو بالأحرى، سيرحل غَدًا و بـ"أي أرضٍ يموت". أذكُر في كل عامٍ صعود أعمال الإنسان في منتصف شهر شعبان، وأذكُر أيضًا أنه مع هذا الحدث دائمًا ما تتوالى سلسلة لامتناهية من التعازي وفي كُل مرة تقترب أكثر.. ولكن لإننا "إنسان" من الـ"نسيان" فإننا ننسى من أحبونا ولو للحظة، وننسى من نُحبهم، ولو للحظة أيضًا.


تُنسى’ كأنَّكَ لم تَكُنْ
تُنْسَى كمصرع طائرٍ
ككنيسةٍ مهجورةٍ تُنْسَى
كحبّ عابرٍ
وكوردةٍ في الليل .... تُنْسَى

- محمود درويش

رحِم الله الجميع.. 


هل يستوون؟


on , ,

No comments


هل يستوون؟


البعضُ يُصلي ويدعو ويتضرع خيفة.. والبعض الآخر يدنو بروحه إلى أدنى مستويات الذُل بغير عِلم. البعض يبكي خوفًا والبعض الآخر يضحك ترفًا وجهلًا، وكُلّهم لا يعلمون. البعضُ يُمسك مصحفًا ويُرتل ترتيلًا وأخلاقه تسحقُه داخليًا وهو لا يدري.. والبعض الآخر يُمسكه على مضض وأخلاقه أخلاق صالحين. البعضُ يبتسم وما هو بمبتسم والبعض الآخر يبكي والدنيا تُعطيه ما يريد. البعض تُذيبه حلاوة الهيام بالمحبوب والبعض الآخر تُذيبه المعاصي ودُنوّ الدنيا وما فيها. البعض يُحِب حتى ينسى والبعض ينسى بالحُب ويُسمي نفسه "مُحِبًا". كثير يشكون للمخلوق وقليلٌ يشكون للخالق. البعض يمشي على ثِقل وهو في عشرينياته وآخرون بلغوا السبعين ولم تُهلكهُم حياة واحدة. البعضُ يخون ويُخان ويبتسم وكأن شيئًا لم يكُن، وكأن الحياة فانية وليس له فيها إلا صمتٌ سحيق يغفر به لمن يقدر ليرحل بنفسٍ راضية مرضية. والبعض يقتله الشكٌ حتى يعجز عن الوصول إلى برّ اليقين فيموت شكًا دون أدنى مشكوك فيه. والبعض يقضي لياليه نائمًا في فراشه وما هو بنائم ولكنه حالمٌ بصُبح قريب يُبدّل به الحقُ الظُلم بالحق ويهديه إلى طريقه، والبعض يغُط في سُبات لا يُفيقه منه إلا الترف والبذخ والدُنيا وما فيها وما هو بحيّ، إن هو إلّا ميّتٌ في حياته يقوم ويقعد بروح ميّت ويدنو دنوًا لن يأخذه إلى حياة أخرى إلا بالخوف. والبعض يتحدّث دون توقف عما ليس له به علمٌ ويُصدقه الفقراء للعلم، والبعض القليل يصمت وهو في قرارة نفسه كنزٌ من كنوز العلم لا يبحث عنه كثيرون.

هل يستوون؟

الكتابة والقاتل


on , , , ,

No comments


الكتابة والقاتل


وعدتُني بأن أكتُب. وعدتُني بكلمات كتبتها ولم أكن أعلم أن وعدي لنفسي "حُجة" مؤلمة أراها أمامي كل يومٍ وأفكر فيها بدون توقف. لم أُفكر في أوراقي ولا في أقلامي بل فكرت في مُدونتي الوحيدة شديدة الوحدة منذ انعزالي من ثلاثة أشهر ومنذ قراري بأن أترك الكتابة فترة حتى أستطيع أن أُقرر ماهية كتاباتي وما يجب أن أُعود نفسي الفقيرة عليه بعد أن أصبحت من أكثر من يعجزون عن التعبير بالكلام وبعد أن اكتشفت أنّي أقف أمام العديد من الناس محاوِلة وجاهدة لأقول ما بداخلي ولكن أُدرك حينها أن الكلام ليس لأمثالي.. أمثالي يكتبون لا يتكلمون.
هل هذا مرض؟ أم هي الكتابة؟ وهل الكتابة "مرض" أصلًا؟ لو الإجابة هي لا، إذن فلِمَ انتحر كثيرٌ من الكُتاب أو دخلوا في مراحل اكتئاب مزمن آلت إلى تعبيرهم بأشد الروايات والكتب حُزنًا ووجعًا. ما هي الكتابة؟ تعبير عن النفس؟ وماذا تصبح بعد أن تتحول إلى عادة؟ أتصبح "موهبة"؟ موهبة جاءت نتيجة أوجاع وآلام؟ آه...مُحيرة.
أقررت أن أكتب بالعربية فقط؟ لا أدري. أقررت أن أعتزل الإنجليزية بسبب حُبي المُفرط للعربية مؤخرًا ولكي أُنميها في عقلي بأكبر قدر وأنتفع وأنفع الناس بها بأي شكلٍ من الأشكال؟ والله لست أدري، ولكن كل الذي أُحسه هو ألم رهيــب ووجع لا يُحتمل وكأن بداخلي قنابل موقوتة تنفجر كلما عجزت عن اتخاذ قرار حول هذه المسألة، وكأن عجزي يتبدّل ويتحول إلى أسلحة ضدي تُدمرني تدميراً لا هوادة فيه. هي مُهددي وسارقي ومغتصب نفسي منّي. ولكنها لا تزال شيئًا مدهشًا يبعث إليّ سحرًا مع العودة إليه، كالمدمن الذي يُدمر نفسه ويستمتع بها في نفس الوقت..ماسوشية؟ ولمَ لا؟
أُريد أن أصبح كغسان كنفاني. من يعرفني جيدًا يعلم يقينًا أني لديّ جنون بشخص الكاتب الفلسطيني الذي اغتالته الموساد، غسان كنفاني. غسان هو رمز النضال الأمثل بالنسبة لي، وهو فاق بكثير إرنيستو جيفارا الذي كان رمزًا للنضال في قلبي في يوم من الأيام، حتى قدّمت لي الأيام غسان كنفاني في أول رواية صغيرة قرأتها له وهي "عائد إلى حيفا" وبدأت عقبها اقرأ "رجال في الشمس" ثم "أرض البرتقال الحزين" ثم وأخيرًا "موت سرير رقم 12"، تلك الأخيرة التي لن أنساها طالما حييت. كيف يستطيع كاتب روايات قصيرة وقصص لا تتعدى الصفحات العشر أن يكتب كلمات بهذا العُمق دون حاجة إلى الإطالة لإيضاح فكرته أو تعميق أوجاعه على بلده؟ كيف استطاع أن يتركنا في هذه الصدمة مع كل قصة قصّها ومع كل جملة أراد بها إيضاح أفكار ليس لها حصر؟ كيف وكيف؟ وكيف قتلوه ولم يبق منه أشلاء واحتفلوا باغتياله على طاولاتهم السياسية القذرة؟ آهٍ يا غسان يا قاتل! قتلوك جسديًا فقتلتنا نفسيًا قبل أن تُكمل عامك الأربعين.
وكيف، اشرح لي، جئت بهذه الكلمات التي أبكتني على عروبتي وعلى فلسطيني وجعلتني في كل مرة أقف عن الكتابة والقراءة لأتعافى من صدمة كلماتك. أتساءل أحيانًا: وماذا كان سيحدث لو افترضنا أنهم لم يقتلوك؟ هل كنت ستدلُّني على محيط الكلمات الذي تأتي منه بها؟

يا قاتل! لأجلك وبسببك أريد أن أُكمل مسيرة ما، أريد أن أستكمل ما تركته: قتل الناس بالكلمات ليعجزوا عن الحديث المُترف الدنيء الذي لا ينتهي.. وينتصر سيف الكتابة على أعداء السياسة. نعم.


عودة حذِرة ..


on ,

No comments

قررت العودة إلى هذه المدونة بشكلٍ مختلف قليلًا ألا وهو الكتابة "شبه" اليومية باللغة العربية لعدد من الأسباب:
1-    العودة إلى الكتابة والتعبير عما في داخلي ولكن بشكلٍ مختلف قليلًا.
2-    التعود على الكتابة باللغة العربية علّني بها أستطيع أن أُكمل مشواري ولكن إلى الطريق الصحيح.
3-    أعود إلى مدونتي التي افتقدتها بشكلٍ غريب ولا أستطيع أن أتركها أكثر من هذا.


وعلى الله توكلنا :)