Archive for 2015

عدوان


on ,

No comments

عدوان


لا أعلم من أين أتيت، وإلى أين سأذهب. أريد أن أهرب من كل شيء لا أعرفه ويعرفني، أريد أن أهرب من كل الكلمات التي قيلت وتُقال وسوف تُقال، أريد أن أُزيح همومها من على أكتافي، وأتحرر من قيود لا تنتهي. أريد أن أعدو.
أعدو حتى أنسى كل شيء حولي .. أعدو حتى ينساني كل شيء، ينساني الجميع، ويهرب مني كل شيء .. أعدو حتى تنقطع أنفاسي وأفقد القدرة على الحديث حتى أهدأ .. ولكنني لا أنتظر أن أهدأ.
أعدو لأتناسى، لأفرّ مما بداخلي، لأفرّ من أفكاري .. أعدو لكي لا يظنّ العالم أنّي أتكاسل يومًا عن النسيان، وأقبع في ذكريات الماضي .. أعدو لكي لا يظنّ العالم شيئًا ما، تبًا لهذا العالم الذي يظنّ أنه يعرف كل شيء.
أريد أن أعدو حتى يعجز الأكسجين عن الوصول إلى أفكاري، حتى أتوقف عن التفكير في كل شيء، حتى لا أكون .. أعدو حتى أصبح شتاتًا من الذكريات في الهواء اللامتناهي، حتى أكون في كل مكان وفي كل زمان، حتى أتحرر من أي قيد .. أعدو حتى أصبح أنا المكان والزمان، لأخلق مفهومًا جديدًا لن يستوعبه العقلاء. فما قيمة العقل؟ الجنون.
أعدو إلى أن أسبح في فضاء الكون، إلى أن تتلاشى المسافات وتنتهي الطرق على كوكبي .. فأعدو في الفضاء السحيق، وأظل أعدو  إلى اللانهاية.
ثم أفنى من الوجود بدون قيود أخرى، فقط بقيد العودة بنفس الروح إلى عالم آخر .. عالم لن أعرف عنه شيئًا إلا عند فنائي .. فأتلاشى في صمت .. وبنشوة لم أعهدها من قبل .. وبقلب صافٍ من كل ما هو قبيح في هذا العالم.
أتلاشى .. حتى يتلاشى العالم معي.
ولا أعدو بعدها ما حييت، أو ما متّ.

فأعلم حينئذٍ من أين أتيت.

رقصة في قاع الخيال


on ,

2 comments

رقصة في قاع الخيال

تصدح الموسيقى من جسدها دون توقف، فأتشبّث بها؛ من أنتِ؟ أقول. (تُذهِب موسيقاها عقلي دون إجابة)
تتوقف الموسيقى فجأة ويبدأ الحديث. لا أفهم الكلمات ولكني أحس بموسيقاها خلف كل مقطع، وكأنها لغة مألوفة ولكني فقدت معجمها في مكانٍ ما بداخلي، أو ربما قد سرقته هذه الفتاة التي كادت تهوي بي من حافة العقلانية في لمح البصر.
أحاول أن أفهم ما يحدث من حولي، ولكنني أغرق في محيطات اللاإدراك التي تسحبني كلّما رأيت وجوهًا جديدة في أماكنٍ جديدة، وبلغة لا أعرفها تحت شمسٍ لامتناهية الأشعة. فأُفاجأ بي أتقوقع مرة أخرى إلى الداخل وأرفض التفكير في ما ومن حولي. تنظر الفتاة إليّ كأنها تراني للمرة الأولى، ترى وجهي هادئًا شديد الهدوء بعد أن أذهبتْ عقلي في ثوانٍ معدودة.
"لا أريد هذا. لا أريد هذا. ليس هذا عالمي". أتمتم دون توقف. أتراجع قليلًا. ليس هذا حقيقيًا وإن كان. لا يجب أن أفكّر لحظة أخرى في ما حدث توًا. لا أريد.
لا أريد أن أتخيل للحظة أخرى  أنها تعرفني، أنها تبادلت معي الحديث في تلك اللحظات التي تمايلتُ فيها وتمايل الجميع من حولنا كسرب الطيور، في سماء موسيقاها نسمات الربيع.
أريد أن أظل في قوقعتي، ألا يعكّر أحدٌ عليّ صفائي من الداخل، ألا يصيبني أحدٌ بهشاشة فلا أستطيع العودة إلى عزلتي.
كنت أتمنى ألا يزعجني كل هذا. كنتُ أتمنى ألا تكوني في خيالاتي، حتى أهرب منك في أي وقتٍ أريد.
أو حتى ألجأ إليكِ في أوقات وحشتي.




الصورة صفحة من رواية "قمر على سمرقند" لمحمد المنسي قنديل، أخذت منها بعض الكلمات علّها تعطيني من الإلهام ما يكفي لأكتب..

قطعة أُحجية


on , ,

No comments

قطعة أُحجية

أصبحتُ كقِطع من الأحجية تُحرّكها يدٌ وتُعيدها أخرى، أتردد بين إصبعين لا أدري أين سأوضع ولا أعلم مآلي، وكأن وجودي لا يُكمل في شيئًا ولكنه يضيف للقصة فصلًا أو بابًا بدونه ينقص القصة حبكة ما، أو ينقص الصورة لونًا ما.
أهوي من قمة إلى قاع ثم أسقط على قطعة أخرى، أحاول الثبات في مكانٍ واحد لدقيقتين، ولكن مسار القصة يجب أن يكتمل عند نقطة ما، عندما يصبح غيابي عاملًا مؤثرًا بعدما يكون الأمل بداخلي قد بدأ يتبدد وتشحب الألوان على جسدي، لأصبح قطعة مهترئة رمادية كالهرِم الذي يلتقط أنفاسه الأخيرة ويحاول التشبث بالحياة قبل أن تبرق عيناه مرة أخيرة لحظة الزوال.
أمكث قليلًا بين يدي صاحبي ثم أنظر من مكاني فأدرك أنه لم يعد إلا أنا، وأرى أن الجميع اتّخذ مكانه فتحوّلت الصورة من أشلاء إلى تحفة فنية ما، وأصبح مكاني فيها هو ما سيُعطيها رونقها. ولكنني أشعر أنني بمجرد أن أُكملها سأفقد نفسي من الداخل، وكأن كمالها نقصاني وجمالها قبحي.
وكأنّ دوري سينتهي عند هذا التشابك مع بقية القطع من حولي.
وكأنني لاشيء.
وكأنّ الرحلة انتهت هاهنا.

فانتهيتُ معها.

أن تموتَ الكِتابة..


on , ,

No comments

أن تموتَ الكِتابة..

عندما تكبر في العمر والفكر، تطول المسافات بين كتابة وأخرى. تبدأ أولًا بالأسابيع ثم من شهر لآخر. ثم مع الوقت تمر أشهر عديدة وأنت لم تفكر حتى في الكتابة.
مع مرور الوقت أيضًا تصبح الكلمات التي تجول بخاطرك محدودة، ولا يصبح في جعبتك إلا أحاسيس تختلط ببعضها البعض لتلد إحساسًا لن تتمكن معاجم أي لغة ترجمته إلى كلمات.
وبالتالي يصبح الصمت هو الملاذ الأخير وتمتلئ أوراقك باللاشيء، وتكاد الأسطر أن تفرّ إلى بعض الكلمات التي تجري فوقها وتحتها، لتعطيها بعضًا من الحياة.
ولكن ماذا لو أن الصمت، إذا استمر، سيولّد الانفجار؟ وماذا لو أن هذا الانفجار سيأتي في صورة كلمات مبعثرة مشتتة لن يفهمها أحد، ولن يتمكن أحدٌ من لملمتها في أوراق ليخلق منها شيئًا ذا معنى؟ وماذا لو أن أوراق العالم كانت قد نفدت؟ ولم يعُد غير الحواسيب والأشياء التي تبغض الورقة والقلم؟
وماذا قد تفعل إذا علِمتَ أن ما ستكتبه الآن سيكون آخر ما ستكتب، لأن حبر العالم ينتهي، أو يتلاشى، أو لأي سبب آخر. ماذا ستكتب؟ وما الذي قد تودّ أن تكتبه بقلمك وخط يدِك دونًا عن أي شيء آخر، دونًا عن أي كلمات آخرى. أهي رسالة حبيب؟ أم وصية موت؟ أو قد تكون رسالة إلى العالم لكي لا يقتل شيئًا حميمًا كهذا؟
ماذا لو أن باستطاعتك إنقاذ العالم ببضعة كلمات على ورقة هي آخر أوراق الزمان، كيف "ستُغير العالم"، وهل سيثبت أن القلم أقوى من السيف؟


كي تبدأ القصة


on , ,

2 comments

كي تبدأ القصة

أحيانًا يتملكني شعور مبهم بوجودك هنا في مكانٍ ما قريب، قريب من ظلّي حتى تلامست ظلالنا معًا، أو على مقربة إلى حدّ أنّ هالة أحدنا قد تلاشت في لحظة ما وأصبحنا في هالة واحدة، قد تكون هذه اللحظة هي الثانية التي خفق فيها قلبي فجأة ولم أعرف له سببًا، فشتّت أفكاري ولكنه ما لبث أن تركني لأكمل ما يشغلني. قد تكون أنت ذلك النبض الذي رفض أن يمكث كي لا يقطعني عمّا أحب، حتى يأتي زمنٌ ستقطعني أنت فيه عن كل شيء وتصبح أنت "من" أحب. ولكن متى؟
لا أعلم
قد يكون هذا أيضًا لحظةً تقابلنا فيها في يومٍ ما حين ذهبت لأحتسي شايًا على عجلة قبل موعد عملي، فلم ألحظ منك إلا عطرًا ظلّ عبقُه في أنفي طيلة يومٍ كامل ولم أعرف له صاحبًا. أو قد تكون مررت بجانبي في شارع ضيق وسمعت صوتك وأنت منشغل بالتحدث في هاتفك وغير عابئ بما قد تخبئُه لحظة كتلك التي لمحتني فيها.
أو قد يكون كل هذا محض خيال بداخل رأسي ليس له وجود، أو رغبة بائسة بالحديث إليك عن بُعد قبل أي لقاء لنا.
قد لا ألتقي بك أبدًا قبل اللقاء الأول صدفة في طريقٍ ما وقد لا نعبر نفس الطرق أبدًا قبل ذلك، لتكون أنت من بلدٍ آخر أو يكون أحدنا بلا وطنٍ أصلًا. المهم أن يكون كل هذا، المهم أن يكون.
لا يهمّ إن قرأت هذا فيما بعد وتخيلتني وجهًا آخر أو فكرة أخرى، لا يهم إن لم تزر الأماكن نفسها التي زرتُها أنا ولا المقاهي التي اعتدت أن أحتسي فيها مشروبي في هدوء، ولا حتى المكتبات التي مكثت فيها ساعات أبحث عن كتاب ما أو أقرأ في أماكنها المخصصة للقراءة بعد أن عجزت عن ترك فصلٍ ما في منتصفه. لا يهم. 
المهم أن نذهب في يومٍ ما لهذه الأماكن معًا وأحكي لك كيف تخيلتك وأنت جالسٌ على مقعد قريبٍ مني تقرأ كتابًا ما لم أفهم حتى عنوانه، كيف وجدتُ لغز العنوان دليلًا إليك. وكيف رأيتك تشرب قهوة تركية شممت رائحتها من مكاني وتساءلتُ عمّن يشرب مثل هذه القهوة في هذا الوقت من اليوم، بل وربما سخرت من ذوقك، فأنا لا أحب القهوة. 
المهم أن أُعيد كل ما حدث في مخيلتي لأضعه في مكانه الصحيح خارج دائرة الذي لم يحدث قط، داخل دائرة أخرى في الواقع. والمهم أن تستمع إليّ وإلى حماقاتي وسخافات أحلامي أحيانًا التي قد تبدو كطفلة تبكي حتى بعد أن حصلت على ما تحب.
المهم أن نأتي إلى حيث أردنا.
 والمهم أن نلتقي. كي تبدأ القصة.