Archive for August 2015

عدوان


on ,

No comments

عدوان


لا أعلم من أين أتيت، وإلى أين سأذهب. أريد أن أهرب من كل شيء لا أعرفه ويعرفني، أريد أن أهرب من كل الكلمات التي قيلت وتُقال وسوف تُقال، أريد أن أُزيح همومها من على أكتافي، وأتحرر من قيود لا تنتهي. أريد أن أعدو.
أعدو حتى أنسى كل شيء حولي .. أعدو حتى ينساني كل شيء، ينساني الجميع، ويهرب مني كل شيء .. أعدو حتى تنقطع أنفاسي وأفقد القدرة على الحديث حتى أهدأ .. ولكنني لا أنتظر أن أهدأ.
أعدو لأتناسى، لأفرّ مما بداخلي، لأفرّ من أفكاري .. أعدو لكي لا يظنّ العالم أنّي أتكاسل يومًا عن النسيان، وأقبع في ذكريات الماضي .. أعدو لكي لا يظنّ العالم شيئًا ما، تبًا لهذا العالم الذي يظنّ أنه يعرف كل شيء.
أريد أن أعدو حتى يعجز الأكسجين عن الوصول إلى أفكاري، حتى أتوقف عن التفكير في كل شيء، حتى لا أكون .. أعدو حتى أصبح شتاتًا من الذكريات في الهواء اللامتناهي، حتى أكون في كل مكان وفي كل زمان، حتى أتحرر من أي قيد .. أعدو حتى أصبح أنا المكان والزمان، لأخلق مفهومًا جديدًا لن يستوعبه العقلاء. فما قيمة العقل؟ الجنون.
أعدو إلى أن أسبح في فضاء الكون، إلى أن تتلاشى المسافات وتنتهي الطرق على كوكبي .. فأعدو في الفضاء السحيق، وأظل أعدو  إلى اللانهاية.
ثم أفنى من الوجود بدون قيود أخرى، فقط بقيد العودة بنفس الروح إلى عالم آخر .. عالم لن أعرف عنه شيئًا إلا عند فنائي .. فأتلاشى في صمت .. وبنشوة لم أعهدها من قبل .. وبقلب صافٍ من كل ما هو قبيح في هذا العالم.
أتلاشى .. حتى يتلاشى العالم معي.
ولا أعدو بعدها ما حييت، أو ما متّ.

فأعلم حينئذٍ من أين أتيت.

رقصة في قاع الخيال


on ,

2 comments

رقصة في قاع الخيال

تصدح الموسيقى من جسدها دون توقف، فأتشبّث بها؛ من أنتِ؟ أقول. (تُذهِب موسيقاها عقلي دون إجابة)
تتوقف الموسيقى فجأة ويبدأ الحديث. لا أفهم الكلمات ولكني أحس بموسيقاها خلف كل مقطع، وكأنها لغة مألوفة ولكني فقدت معجمها في مكانٍ ما بداخلي، أو ربما قد سرقته هذه الفتاة التي كادت تهوي بي من حافة العقلانية في لمح البصر.
أحاول أن أفهم ما يحدث من حولي، ولكنني أغرق في محيطات اللاإدراك التي تسحبني كلّما رأيت وجوهًا جديدة في أماكنٍ جديدة، وبلغة لا أعرفها تحت شمسٍ لامتناهية الأشعة. فأُفاجأ بي أتقوقع مرة أخرى إلى الداخل وأرفض التفكير في ما ومن حولي. تنظر الفتاة إليّ كأنها تراني للمرة الأولى، ترى وجهي هادئًا شديد الهدوء بعد أن أذهبتْ عقلي في ثوانٍ معدودة.
"لا أريد هذا. لا أريد هذا. ليس هذا عالمي". أتمتم دون توقف. أتراجع قليلًا. ليس هذا حقيقيًا وإن كان. لا يجب أن أفكّر لحظة أخرى في ما حدث توًا. لا أريد.
لا أريد أن أتخيل للحظة أخرى  أنها تعرفني، أنها تبادلت معي الحديث في تلك اللحظات التي تمايلتُ فيها وتمايل الجميع من حولنا كسرب الطيور، في سماء موسيقاها نسمات الربيع.
أريد أن أظل في قوقعتي، ألا يعكّر أحدٌ عليّ صفائي من الداخل، ألا يصيبني أحدٌ بهشاشة فلا أستطيع العودة إلى عزلتي.
كنت أتمنى ألا يزعجني كل هذا. كنتُ أتمنى ألا تكوني في خيالاتي، حتى أهرب منك في أي وقتٍ أريد.
أو حتى ألجأ إليكِ في أوقات وحشتي.




الصورة صفحة من رواية "قمر على سمرقند" لمحمد المنسي قنديل، أخذت منها بعض الكلمات علّها تعطيني من الإلهام ما يكفي لأكتب..