Archive for November 2014

هستيريا صمت


on , ,

2 comments

هستيريا صمت

تملكتني رغبة عارمة لامتناهية في الصمت، وانهالت عليّ كما لو كانت جبلًا من الجليد فوق رأسي أو بداخلي، وتركت كل كلمة تعلمتها تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت هذه الرغبة ثم تلقى مصرعها في غضون ثوانٍ معدودة.
سُئلت عمّن أكون فسكتّ، تارة لأنني لم أعرف حقًا وتارة أخرى لأنني لم أجد الكلمات في رأسي. ثم سُئلت من أين أتيتُ وإلى أين أشقُّ طريقي، فلم أعرف ماذا أجيب، وكأن أحدًا ما خاط شفتاي ليمنعني عن الكلام. ولكنني بالفعل لم أرِد أن أتكلم. سألوني عن اسمي وعن وطني وعن عائلتي ومأواي. لم أنطق. لم أتحدث. جُنّ جنونهم لهذا، ولكنني التزمت بهدوئي أمامهم. اتلزمت بصمتي كما لو كنتُ قطعتُ وعدًا لا يمكن أن يُخلف.
هذه المرة ظنّوا أنني أنا المجنون. أخذوا يتغامزون ويتحدثون عنّي على مرأى مني وأحيانًا أمامي مباشرةً، يحسبون أنني أصبحت لا أسمع، أو أنني لن أنطق مجددًا أبدًا.
(ربما كانوا على حق أو ربما تنبؤوا بمستقبلي)
أصغيتُ لهم ولكل كلمة قيلت عنّي. سمعتهم يستهزؤون بي وبكلماتي في الماضي، والتي أصبحت الآن في عداد النسيان. رأيت كلّ شيء وسمعت كل شيء ولم تضعف شفتاي للنطق بكلمة واحدة ورد استهزائهم باستهزاء آخر. ثم بدأت أستمع لهم وأستمتع بما يقولونه، وبدا صمتي أمامهم بالتحديد هو استهزائي بهم وبغفلتهم. نسوا أنني فقدت قدرة ما على الحديث وليس على الإنصات. ونسوا أنني لم أفقدها بالتحديد بل كانت رغبة قوية مني بعد أن انتابتني هستيريا من الكلمات في لحظة ما من يومٍ مشؤوم. نسوا كل شيء. ولكنني لم أنسَ.
سمعت منهم كل ما يخطر ببال ولم أتحدث، سمعت منهم القيل والقال بينما بدأت خيوط أفكاري تتمزق كما تمزقت معها الخيوط بين شفتيّ أيضًا. شعرتُ أن كلماتهم تتخلل الفراغات بين شفتيّ لتُحدثَ ثقوبًا داخلي دون أن أنبس ببنت شفة ودون أن أتفاعل بأي شكلٍ من الأشكال أو كلمة من الكلمات.
تحدثوا حتى أرهقتني كلماتهم، وكأنني كنت أنا المتحدث طيلة هذا الوقت. تحدثوا وكأن حديثي سابقًا كان يردعهم عن النطق بأي كلمات غير كلماتي، مستعيرين بهذا بكل لفظة ألفظها في كلماتهم، ومتجاهلين وجود صمتٍ قد يسحق كل هذه الكلمات في لحظة إن أراد.
وانتابتني هستيريا. نوعٌ آخر من الهستيريا هذه المرة. لم أُرِد أن أتحدث مطلقًا. صمتُّ حتى كاد الصمت يشكو من صمتي وتوسل إليّ كي أذيب ذلك الجبل الجليدي فوق كلماتي. صمتُّ حتى لم أعُد أعلم لمَ كنت أتحدث من قبل ولِم اعتدتُ أن أقْحِم كلماتٍ عديدة في حديثي لم يكن لها أي معنى إلا أنها كانت مجرد ملء لفراغات بين الدقيقة والأخرى. صمتُّ حتى لم أعُد أريد أن أتعلم كلمة أخرى، وكأنني اكتفيت بمعجم الكلمات في ذاكرتي ولا أريد أن يشوبه أي لفظ قبيح من ألفاظهم وألفاظٍ جديدة لن تروق لي.
صمتُّ حتى أدركتُ الفرق بين حديث الظالم وصمت المظلوم.

ثمّ قررت أن أصمت للأبد.

الحزن والموت


No comments

Some things in the world are just too sad, too sad for you to imagine exist.


هذا العالم لن يغرِقهُ إلا محيطات الحزن في أرواح البشر، وما خلّفه منهم من رحلوا بلا عودة..

Write.


on , , ,

No comments

Write. Write because the more you cower the less you will ever be able to write. Write because no word is ever going to give the same meanings and feelings inside of you, so the least you could do is get some of this intensity out, for the sake of your own survival. Write because people need to read what you have to say when you think of the words to pen down. Sometimes it only requires one person to know we're not alone, and to know that someone, somewhere, somehow is sharing a feeling you keep within.
What you write does not have to be a wonderful prose piece; it does no even have to be by any means poetic. Poetry needs contemplation anyway and you need a simple and straightforward reassurance that you're there, you're alive, you feel like everyone else, and you carry the same sufferings as everyone else. You don't have to fight to be different in that too. At the end of the day we all experience the same feelings of guilt, reconsideration, and over-thinking. It is those minutes before sleep that also truly define us and who we are, and who we also want to be. It is these moments that let us discover ourselves within, and maybe, just maybe, do something about it someday.
Write, and I don't have to tell you about what you can write, because if you believe in Sylvia Plath's quote, you will know that everything in life is writable about if you have the outgoing guts to do it and the imagination to improvise; the worst enemy to creativity is self-doubt. But I am not asking you to be creative here nor am I asking you to be a writer per se; I am just asking you to write. Writing and being a writer are two different things.
It is okay if you do not find yourself in writing, and it is okay if you cannot even make it to the third line. Leave it. Move to doing something else. Get back to it later. Just do not let it rust out forever.
Write, because I need you to write, so badly. I need you to tell me the words in your mind and I need to know your stream of thoughts perhaps we will find some things in common, anything in common. And I am not just saying this to make myself feel better; I am saying this as a mutual benefit to both of us. Because I need to read your thoughts if I will never hear them.
I need you to write because your words will work like sun rays to the morning, because they will shine in my soul like a magic of inspiration from an unknown source and in a sudden moment.
I need you, all of you, to exist, in the same way that you are, with a few more words to write. And you will complete me, with your words, and some of my silence. And it will be my turn soon and I will write to you. I will write for you. I will write with you and I will write about you. And then you can set yourself free, and set me free with you.
Just write.

وتمضي


on , ,

No comments

وتمضي


أسوأ ما في الحياة أنها تمضي، دون إذنٍ منّا ولا سابق إنذار ودون أية استجابة لنداءات من يريدون أن يقبعوا في "الآن" ويتركوا كل ما وراءهم وما أمامهم بعد أن حصلوا أخيرًا على ما يعطيهم أحلامًا سعيدة عند نومهم وأحلام يقظة هيّنة سهلة المنال. ولكنها لا تكترث لمكوثنا ولا تستأذن أحدًا.
تنهض وبكل شجاعة وجرأة وتضرب بأحلامنا عرض الحائط، وتمسح كلمات شعرائنا وكُتّابنا وحالمينا مستعينة في كل هذا بشمسٍ في عنان السماء لا يطولها أحد، ترمي بأشعتها نهارًا وتترك المتفائلين ليلًا لينسحبوا في هدوء شديد إلى نهاية يومٍ سعيد، ويواجهوا ظُلمة ليلٍ تُسمع فيه أصوات الحزانا داخلهم وفي الشوارع الخلفية عند بيوتهم، وتطول المباني والمنازل فلا يوجد أسطح يهرب إليها أحد ليبحثوا عن نجوم السماء. ومن قال لك إن مدينتنا سمحت للنجوم بالظهور ليلًا أصلًا؟
في مدينتنا يظهر القمر بعد عناءٍ وأحيانًا كثيرة يكون قريبًا مخيفًا وله لونٌ كما لو كان به إعياء شديد، لونٌ مائلٌ إلى البرتقالي تمامًا كلون الشفق قبل رحيل الشمس، قمرٌ أضفت عليه مدينتنا طابعًا حزينًا حزنًا غير متناهٍ بعد أن أخفت من حوله وتركته مركز اهتمام أحزان الجميع وأطلال كل من كانوا هنا. وأحيانًا عندما يظهر بلونٍ صافٍ من الحزن يكون بعيدًا شديد البُعد وكأن المسافة بيننا كلما زادت كلما اجتمعت الهموم في هذه المساحة السحيقة الخالية في الفضاء.
وتعود لنا أحزاننا في اليوم التالي كأن القمر يسلم الأحزان للشمس فتتخلل أشعتها أرواحنا ولا يُترك لنا إلا ضوءٌ باهت والكثير الكثير من الأفكار المفرطة، وكم هو محظوظ من ينجو من هذا ببعض التفاؤل وبابتسامة تشفي كل هذه التفاصيل المميتة.
فلا يبقى لدينا إلا انتظار كلمات تريحنا أو عبارات تقول لن إننا لسنا وحيدين وليست هذه هي نهاية العالم وأن لكل ما هو جميلٌ نهاية حتمية لا مفر منها، فيهدأ ما بداخلنا لوقتٍ قصير ثم تمضي الحياة مرة أخرى. وتظل تمضي ونظل ننتظر ما يريحنا حتى يبدو أننا تعيش حياةً مؤجّلة ومُسوّفة لا طعم لها.
ننتظر دائمًا شيئًا ما لا ندري ما هو ولا ندري من أين سيأتي، وننتظر من ينقذنا من أنفسنا ولا ننقذ أحدًا من نفسه ولكننا لا نعدّها أنانية لأننا أحقّ منهم بالانقاذ ولأننا دائمًا نعاني أكثر من معاناتهم، ولأننا نتحدث عن ما بداخلنا.
ولكننا لا ندرك أن أكثر من يفضّلون الصمت هم على الأغلب أكثر من يكابدون.
ولكننا لا نزال أحق منهم ولا نعلم سببًا لأي من هذا استحقاق.