Archive for March 2014

استنزاف


on , , ,

No comments

استنزاف


أدور في حلقاتٍ مُفرّغة، أتمتِمُ بكلمات قيلت من قبل ولم تجد لنفسها مساحة كافية بمحاذاة أفكاري المتزاحمة في الداخل. أُرددُ جُملًا وعِبارات أعجز أنا أيضًا عن فهمها. أستمع لمن حولي يرددون هم كذلك عبارات غير مفهومة. أستلقي بعرض الطريق لأشاهد نجوم السماء التي لازلتُ أحاول العثور عليها وعدّها حتى تفوق عدد أصابع يداي على الأقل. أبدأ في العدّ، أحوّل عيني يمنة ويسرةً، ولكن بلا جدوى. يتبدد الأمل على هذه الأرض، على هذا الطريق. فأقفز في لحظة وأترك هذا المكان الحزين، وأمضي. إلى أين؟ لا أدري. ربما إلى الفراغ السحيق، إلى أرضٍ جرداء قاحلة تخلو منها الحياة تحت قدماي، علّني أجد بها حياة فوقي. ولِمَ؟ لأُسكِن بها تلك الأفكار والعبارات كي تعطيها شيئًا من المعنى، قليلًا من المعنى، وأتخلص أنا من هذا الزحام القاتل وهذه الأصوات الصاخبة في أعماقي. أريد هدوءً ولو لليلة واحدة تأخذ فيها النجوم أفكارًا ترهقني. أو تسرقها الشُهب وتحرقها معها، وتتركني أنا المشاهد المتفرج المعنيُّ بهذا كله والهارب الشارد على أرض وإلى سماءٍ ليستا له. أسرق إحساسًا من أرضٍ ليست بأرضي وأترك سماءً تسرقني كما وكيفما تشاء. أستلقي على الأرض، أعتقد أن بها بعضًا من ندى الفجر، لا يُهم، لا يُهم. أنظر للأعلى. أكاد لا أرى السماء من كثرة النجوم. أغمض عيناي. أحس الأرض تبتلعني والسماء تستنزف قواي بدفع هذه الأفكار مني. ولكنه استنزاف قبل تنهيدة أخيرة كما لو كانت إعادة إحياء. أتركني مغمض العينين لوهلة، ثم أنسى. أنسى كل شيء. أنسى من أنا وإلى أين أمضي ومن أين أتيت. شعورٌ بفقدان الإدراك. أفقد القدرة على التعرّف على الأشياء من حولي تمامًا من هول تلك الحالة. أظل كما أنا في ما يشبه الاستمتاع بالتيه، أضلّ الطريق إلى عالمي الحقيقي وأشعر بشيءٍ من الطمأنينة في هذا الضلال. أتجاهل كل شيء. ثم أغطُّ في سُبات عميق لا أدري متى أستفيق منه إلى حالة استرداد إدراكي مرة أخرى.

فقدان إدراك. 

يقظة أحلام


on , ,

No comments

يقظة أحلام

أن تقابل من يذكرك بمكانك المفضل، من يشبه عطره رائحة البحر في ليلة ربيع مُعبأة بالنجوم في طياتها وسماواتها. أن تجلس مع من يتحدث بعبارات ترسُم في أفكارك رواية من روايات كاتبك المفضل، وهو يتحدث دون علمٍ بهذا التنويم المغناطيسي الذي يهبط عليك فجأة، فتصبح كأن الكلمات كانت لك كالخمر التي أفرطت في احتسائها ثم ضللت الطريق إلى نفسك. أن تنظر إلى من يُذكرك وجهه بجمال القهوة التركية التي تبعث رائحتها بإحساس أنك في عالم لا هو هنا ولا هو هناك. أن تتأمل صمت شخصٍ تُحبّ وإذا بصمته يتحوّل إلى كمانٍ في يدِ طفلٍ في العاشرة من عمره، فتتحول كل إيماءة صامتة أو نظرة ساكنة إلى نغمة تُعزفُ بإصبعٍ من أصابع هذا الطفل الذي لا تعلم حتى من أين أتى وإلى أين سيمضي. أن تتأمل تلطُخ وجه طفل فقير فيتحوّل هذا اللون القاتم على بشرته إلى فرحٍ لا تسعُه أرض يقتلها شقاء شعوبها. أن تسمع كلمات طفلٍ عن عالمه فإذا بك ترسم لوحة بها من الألوان ما لا تتحمله نظرة البائس الشقي. أن تتحوّلُ نظرة حبيبك إلى قصائد لن يستطيع العالم أجمع تنظيمها وإلقائها، فتتحولُ أنت كالمسحور الذي لا يدري أهذا جنونٌ أم عقلانية، أم كما قال كاتبك المفضل "هو عقلنةُ الجنون".  أن تستيقظ في صباحك بواقعٍ تحسبه من خيالات أحلام اليقظة وإذا به كان واقعًا في أحلامك وتحقق في واقعك. أن تهبط هذه الأحاسيس جميعها في يومٍ كنت فيه في أمسّ الحاجة إلى بعضٍ من الحياة النقية الصافية، فإذا بها من فرط حدّتها تقتلك قتلة سرمدية تصبح فيها الميّت الحي.
ولكنك تشعر، رغم كل هذا، بأنها أفضل من موتٍ في حياة بلا حياة.



استحقاق


on , , , ,

No comments

استحقاق

إن لم أكن أنت، لا تتركني إليّ. أعطني نفحة من روح فقير، أو روح مريض، أو روح ذليل، لكن لا تتركني لكبريائي. لا تتركني لغطرستي وتصرفاتي التي لا أفهم كنهها ولا معناها وأبيت في تساؤلات تظل معي أعوامًا وليالٍ لا تنتهي دون أن أحصل على إجابات دافئة؛ جميع إجاباتي باردة أو خالية من التعسف والتأنيب. جلّ ما آخذه هو تربيتٌ على الكتفين أو على الظهر من نفسٍ تعجز عن نفض غبار النرجسية عن كتفيها بل تربت عليه ليمكث أكبر وقتٍ ممكن. ثم أنظر إلى من هم حولي فأرى كلماتهم التي قيلت عني من قبل ثم لم تفلح الأنا داخلي في نسيانها، وعجز قلبي عن الانصياع لها قبل أن يتوانى ويكسره الفتور ثم يتركه في أحشائي متريّثاً مترقبًا لحظة قد لا تأتي ما حييت. ويعجزني تساؤل أستمر في ترديده في أفكاري في ليلة ما .. أيقتلني الغرور؟ أيقتلني في منامي مثلًا بعد أن أكون قد استنزفت أفكارًا أحاول بها العودة إلى المسار القديم الذي ملأتهُ الحياة بالممات بعد انحرافٍ مني إليّ بالشكل الذي آل بي إلى الوصول إلى ما أنا فيه؟ أيقتلني في تلك اللحظة الأخيرة التي أحاول فيها العدول عن نسيان أو تناسي أو تجاهل أفكارٍ يخسفها التكبر فأصبح، أو يُخيّل إليّ في آخر نفحة هواء أستنشقها، أنني نجوت بفكرة أو بلحظة؟

أأموت شهيدة فكرة لا أستحقها؟

انتفاء روح واغتراب جسد


on , , ,

No comments

انتفاء روح واغتراب جسد



تنفيني نفسي من الداخل، فأسافر منها لأعود كما لو كان لي وطن أحن إليه فأعود شخصًا آخر. ثم تنفيني مرة أخرى وأعود فتعيد الكرّة مرارًا وتكرارًا حتى يُخيّل إليّ أنني لن أصبح من تريده ولن نتفق مدى الحياة، وربما نتفق لحظة الموت الأخيرة فقط فتكون كافية لحل هذا الصراع بهدوءٍ أخير قبل سكون أبديّ. وقد نلتقي في مفترق الطرق فيفضل كل منا استكمال مسيرته وحده، فإن الوحدة تشفي أحيانًا، أو يُخيّل لنا هذا. ويقول كلٌ منا لنفسه ألا تحزن فإن الله معها. وأحيانًا قد نسلك نفس الدرب ونمشي الهوينا أو يزيد واحد منا من سرعة خطواته حتى لا يلحقه الآخر وحتى لانلقتي أبدًا. ثم إذا تساوت سرعاتنا لا يدور بيننا حديث واحد ويطبق كلانا بالصمت كما الغريب بين أربعة جدران بينما يسود الغربة والرهبة والتحفز هواء الغرفة. المهم أننا لا نلتقي، والأهم أننا لا نتفق. والمهم أيضًا أن يعيش كلانا بحثًا عن الآخر بينما هو يسير بجانبه ولكن التظاهر أعمى والتضليل أعمى والكذب أعمى والخداع أعمى وفقر النفس أعمى. ولكن العمر كله أعمى