يقظة أحلام
أن تقابل من يذكرك بمكانك المفضل، من يشبه عطره رائحة البحر في
ليلة ربيع مُعبأة بالنجوم في طياتها وسماواتها. أن تجلس مع من يتحدث بعبارات ترسُم
في أفكارك رواية من روايات كاتبك المفضل، وهو يتحدث دون علمٍ بهذا التنويم المغناطيسي
الذي يهبط عليك فجأة، فتصبح كأن الكلمات كانت لك كالخمر التي أفرطت في احتسائها ثم
ضللت الطريق إلى نفسك. أن تنظر إلى من يُذكرك وجهه بجمال القهوة التركية التي تبعث
رائحتها بإحساس أنك في عالم لا هو هنا ولا هو هناك. أن تتأمل صمت شخصٍ تُحبّ وإذا
بصمته يتحوّل إلى كمانٍ في يدِ طفلٍ في العاشرة من عمره، فتتحول كل إيماءة صامتة
أو نظرة ساكنة إلى نغمة تُعزفُ بإصبعٍ من أصابع هذا الطفل الذي لا تعلم حتى من أين
أتى وإلى أين سيمضي. أن تتأمل تلطُخ وجه طفل فقير فيتحوّل هذا اللون القاتم على
بشرته إلى فرحٍ لا تسعُه أرض يقتلها شقاء شعوبها. أن تسمع كلمات طفلٍ عن عالمه
فإذا بك ترسم لوحة بها من الألوان ما لا تتحمله نظرة البائس الشقي. أن تتحوّلُ
نظرة حبيبك إلى قصائد لن يستطيع العالم أجمع تنظيمها وإلقائها، فتتحولُ أنت
كالمسحور الذي لا يدري أهذا جنونٌ أم عقلانية، أم كما قال كاتبك المفضل "هو
عقلنةُ الجنون". أن تستيقظ في صباحك بواقعٍ تحسبه من خيالات أحلام
اليقظة وإذا به كان واقعًا في أحلامك وتحقق في واقعك. أن تهبط هذه الأحاسيس جميعها
في يومٍ كنت فيه في أمسّ الحاجة إلى بعضٍ من الحياة النقية الصافية، فإذا بها من
فرط حدّتها تقتلك قتلة سرمدية تصبح فيها الميّت الحي.
ولكنك تشعر، رغم كل
هذا، بأنها أفضل من موتٍ في حياة بلا حياة.