استنزاف


on , , ,

No comments

استنزاف


أدور في حلقاتٍ مُفرّغة، أتمتِمُ بكلمات قيلت من قبل ولم تجد لنفسها مساحة كافية بمحاذاة أفكاري المتزاحمة في الداخل. أُرددُ جُملًا وعِبارات أعجز أنا أيضًا عن فهمها. أستمع لمن حولي يرددون هم كذلك عبارات غير مفهومة. أستلقي بعرض الطريق لأشاهد نجوم السماء التي لازلتُ أحاول العثور عليها وعدّها حتى تفوق عدد أصابع يداي على الأقل. أبدأ في العدّ، أحوّل عيني يمنة ويسرةً، ولكن بلا جدوى. يتبدد الأمل على هذه الأرض، على هذا الطريق. فأقفز في لحظة وأترك هذا المكان الحزين، وأمضي. إلى أين؟ لا أدري. ربما إلى الفراغ السحيق، إلى أرضٍ جرداء قاحلة تخلو منها الحياة تحت قدماي، علّني أجد بها حياة فوقي. ولِمَ؟ لأُسكِن بها تلك الأفكار والعبارات كي تعطيها شيئًا من المعنى، قليلًا من المعنى، وأتخلص أنا من هذا الزحام القاتل وهذه الأصوات الصاخبة في أعماقي. أريد هدوءً ولو لليلة واحدة تأخذ فيها النجوم أفكارًا ترهقني. أو تسرقها الشُهب وتحرقها معها، وتتركني أنا المشاهد المتفرج المعنيُّ بهذا كله والهارب الشارد على أرض وإلى سماءٍ ليستا له. أسرق إحساسًا من أرضٍ ليست بأرضي وأترك سماءً تسرقني كما وكيفما تشاء. أستلقي على الأرض، أعتقد أن بها بعضًا من ندى الفجر، لا يُهم، لا يُهم. أنظر للأعلى. أكاد لا أرى السماء من كثرة النجوم. أغمض عيناي. أحس الأرض تبتلعني والسماء تستنزف قواي بدفع هذه الأفكار مني. ولكنه استنزاف قبل تنهيدة أخيرة كما لو كانت إعادة إحياء. أتركني مغمض العينين لوهلة، ثم أنسى. أنسى كل شيء. أنسى من أنا وإلى أين أمضي ومن أين أتيت. شعورٌ بفقدان الإدراك. أفقد القدرة على التعرّف على الأشياء من حولي تمامًا من هول تلك الحالة. أظل كما أنا في ما يشبه الاستمتاع بالتيه، أضلّ الطريق إلى عالمي الحقيقي وأشعر بشيءٍ من الطمأنينة في هذا الضلال. أتجاهل كل شيء. ثم أغطُّ في سُبات عميق لا أدري متى أستفيق منه إلى حالة استرداد إدراكي مرة أخرى.

فقدان إدراك. 

Leave a Reply

Just say it.