عدوان
لا أعلم من أين أتيت، وإلى أين سأذهب.
أريد أن أهرب من كل شيء لا أعرفه ويعرفني، أريد أن أهرب من كل الكلمات التي قيلت
وتُقال وسوف تُقال، أريد أن أُزيح همومها من على أكتافي، وأتحرر من قيود لا تنتهي.
أريد أن أعدو.
أعدو حتى أنسى كل شيء حولي .. أعدو حتى
ينساني كل شيء، ينساني الجميع، ويهرب مني كل شيء .. أعدو حتى تنقطع أنفاسي وأفقد
القدرة على الحديث حتى أهدأ .. ولكنني لا أنتظر أن أهدأ.
أعدو لأتناسى، لأفرّ مما بداخلي، لأفرّ
من أفكاري .. أعدو لكي لا يظنّ العالم أنّي أتكاسل يومًا عن النسيان، وأقبع في
ذكريات الماضي .. أعدو لكي لا يظنّ العالم شيئًا ما، تبًا لهذا العالم الذي يظنّ
أنه يعرف كل شيء.
أريد أن أعدو حتى يعجز الأكسجين عن الوصول إلى أفكاري، حتى أتوقف عن التفكير في كل شيء، حتى لا أكون .. أعدو حتى أصبح شتاتًا من
الذكريات في الهواء اللامتناهي، حتى أكون في كل مكان وفي كل زمان، حتى أتحرر من أي
قيد .. أعدو حتى أصبح أنا المكان والزمان، لأخلق مفهومًا جديدًا لن يستوعبه
العقلاء. فما قيمة العقل؟ الجنون.
أعدو إلى أن أسبح في فضاء الكون، إلى
أن تتلاشى المسافات وتنتهي الطرق على كوكبي .. فأعدو في الفضاء السحيق، وأظل أعدو إلى اللانهاية.
ثم أفنى من الوجود بدون قيود أخرى، فقط
بقيد العودة بنفس الروح إلى عالم آخر .. عالم لن أعرف عنه شيئًا إلا عند فنائي ..
فأتلاشى في صمت .. وبنشوة لم أعهدها من قبل .. وبقلب صافٍ من كل ما هو قبيح في هذا
العالم.
أتلاشى .. حتى يتلاشى العالم معي.
ولا أعدو بعدها ما حييت، أو ما متّ.
فأعلم حينئذٍ من أين أتيت.