لعلّ وعسى
لعلّك رأيت ولكن لم تنظُر، فالنظر رؤية إرادية
وتعمق بينما الرؤية هي لكل من له عينان. لعلك سمعت ولكن لم تُنصت ولم تتخللِ
الأحرف والكلمات أعماقك بحيث تعِش ما يرويه الآخرون ولا تتحول إلى مجرد إنسان يتكون
من الإيماءات، حتى وإن كان إنصاتك يعني صمتك التام بعدها. لعل انفراج شفتيك لتُخرج
كلمات هو ليس أفضل من صمت وإن كان غير مفهوم، فهو لن يؤذي قلبًا ضعيفًا عاش على
محكّ الانكسار. لعل يداك التي تعزف أنغامًا حزينة على عود ليس له صاحب، لعلها تدري
كيف تعزف لحنًا صوفيًا أو دينيًا أو مجنونًا أو روحيًا ساحرًا بطريقة ما، لتبتلع
الابتسامات الدموع وتتحول إلى فرح وأملٍ ورجاء. لعل قلبك الذي ينبض بجنون مع
اقتراب من تحبّهم فقط يحنو على غريب بعيد
في شوارع مدينتك الذابلة اليابسة من الحياة والتي دائمًا ما تبدو كأنها تلفظ
أنفاسها الأخيرة، لعل تسارع نبضات قلبك لأجله يروي شوارعها ويُحييها بسحرك الساحر.
لعلّ هدوء أنفاسك يحتاج لمن يثير جنونها ويبعث القلق والاضطراب وكل ما هو معاكس
للسكينتها حتى تتمكن من العودة مرة أخرى بروحٍ جديدة، كإحياء بلدتك الميتة. لعل
سماءك زرقاء هادئة حتى في أحلك ظلمات أعماقك ولعل شمسك ربيعية حتى في أشدّ لياليك
الخريفية. لعل شتاءك دافئ في أحضان من تُحب ولعلّ صيفك مليء بزرقة المحيطات وخط
الأفق الرفيع ما بين سماءك الهادئة وبحرك الساكن. لعل واقعك وُلِد في أحلامك في
ليلة ما وقد نسيته بعد استيقاظة متعجّلة. لعل صديقك أخٌ لم تَلِدهُ الدنيا لك
ولعلّ حبيبك نصفك الذي لم يكتمل بعد ولا بد له أن يأتي في الموعد المحدد. لعلّ
الحزن يفرّ من فرحك من فرط ما سعدتَ وفتحت لك الدنيا أبوابها. لعلّهُم لا يعلمون
من أنت، ولعلك لا تعلم من هُم، ولعلك لا تعلم ما يظنون بك، ولعلك لا تعلم من أنت،
ولعلنا جميعًا لا نعلم من نحن، ولعل الطريق طويل والأنفاس قصيرة والصبر ينفذ
والعين تدمع والأمل يتبدد. ولعل هذا كلّه مجرد هاجس ولعلّ نفسك في مكان ما مرّت
عيناك عليها ولكن لم تنظُر بقلبك وضللت الطريق بينما كنت في يومٍ ما هُناك.
لعلّ قلبك يحنّ لشيء ليس له وجود وعيناك تدمع
لإنسان لا يعلم أنك موجود ولعلّ وجودك في نفسِك ليس موجود ولعلّ الوجود كلّه، في
لحظة، يتلاشى من داخلك ويُستبدل بفراغٍ
يقطن ليس إلا ليرشدك إلى الوجود وخالقه من جديد.
لعلّ الحياة تبتلع سماءك وأرضك وليلك ونهارك وشمسك
وقمرك في غمضة عينٍ حتى يُخيل لك أنك والعدم واحد، ولعلّ هذا كله يتلاشى ليعود من
جديد.
لعلّك، في يومٍ ما، تعودُ من جديد.