نحوي
غرور. غرور ونظرةٌ ثمّ تجاهلٌ ثم تكبّر ثم رحيل. ترحل
عني يومًا وراء الآخر لتجعلني ماضيًا لا يُهم وحاضرًا يأِنّ. تبدأ صباحك بي أنا
المفعول به وأنت الفاعل الفرح المبتسم ببرود شتاء يُفقدني الإحساس من كثرة الألم.
فِعلك؟ لا أدري كُنهه ولا لحظته المحددة الدقيقة، فأنا المُشاهِد المتفرّج المجرور
والمكسور. أراك تُحرّك روحي كما لو كانت الخيوط في يدِك وأنا الدمية الساكنة
الهادئة العاجزة عن الحديث ولو بكلمة. منذ زمنٍ كنتُ جملة تسير بحرّية وتركض بخفّة
ورشاقة كما لو كانت في أينع شبابها، أما الآن فأنا مجرد كلماتٍ بين خطّين أفقيين
يحولان بينها وبين كلماتك. أنا الجملة الاعتراضية التي لا يريدها أحدٌ ويتعسّر الجميع
في ترجمتها وتحديد مكانها الصحيح في اللغة
الأخرى. ترفعُني ثم تتركني كالشريد المتسوّل المحتاج إلى مُداوٍ للجروح، ثُمّ
تضمّني كالزهرة وتسعد بي وكأن ما حدث لم يكُن، وكأنني لم أُهمَل منذ دقيقتين. تذهب
بي من حالٍ إلى حال وتحكي لي عنك بكلماتٍ كاذبة تهمزني وتسحرني بها، مع أن عقلي لم
يذهب ومع أني على عِلم بترهاتك ولكنني أصمُت.. أصمُت كُلي لعلّك تُدرك أن السكون ليس
عجزًا وإنما قوة لا تحتاج للحركة كباقي القوى. تُطلقني في لحظة أخرى قد تكون توجّست
منّي فيها فأتحوّل إلى مفعولٍ مطلَق ولكن لفترة أعلم أنها ستنتهي بسلسلة أخرى من
سلاسل تكبُّرك وعنادك واستمتاعك بإحساس الفاعل المسيطر على عالم يحسبُه عالمه. ثمّ
يمتدّ صمتي إليك وتنعتني بصفات ليست منّي ولا فيّ ولا أدري من أين دفعك غرورك للإتيان
بها ولماذا. أهو سحر السكون وقوته أم هو جُبنك المتخفّي وراء غطرستك اللا متناهية؟
وتمُرّ السطور وأظلّ في أعماق أعماقك حتى ولو كنتُ إنسانًا مجنيًا عليه أو فاصلة
تريد التخلّص منها لعجزك عن الإتيان بها في مكانها، أو لو كنتُ ظرف زمانٍ تتمنى لو
تسحقه ليصبح الوقت ملكُك والزمانُ زمانُك. أظلّ هناك على أطراف السطور التي تملأ
دفاترك وتدويناتك كما لو كنتُ عاقبة أفعالِك في، أو نتيجة أفكارك التي قد تكون لم
تظهر لمن حولك، فأنا التي تظهر من أول السطر كالألف وأمتدّ كمدّها إلى آخر الصفحة.
وأنا النقطة التي تكتبها ملتصقة بآخر كلمة تعبُر أفكارك وتنطلق إلى دفاترك. فقد
تأتي أنت "نحوي" ولكنني أنا التشكيل وعلامة الترقيم في جسدك وكلماتك. نقطة.