هستيريا صمت


on , ,

2 comments

هستيريا صمت

تملكتني رغبة عارمة لامتناهية في الصمت، وانهالت عليّ كما لو كانت جبلًا من الجليد فوق رأسي أو بداخلي، وتركت كل كلمة تعلمتها تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت هذه الرغبة ثم تلقى مصرعها في غضون ثوانٍ معدودة.
سُئلت عمّن أكون فسكتّ، تارة لأنني لم أعرف حقًا وتارة أخرى لأنني لم أجد الكلمات في رأسي. ثم سُئلت من أين أتيتُ وإلى أين أشقُّ طريقي، فلم أعرف ماذا أجيب، وكأن أحدًا ما خاط شفتاي ليمنعني عن الكلام. ولكنني بالفعل لم أرِد أن أتكلم. سألوني عن اسمي وعن وطني وعن عائلتي ومأواي. لم أنطق. لم أتحدث. جُنّ جنونهم لهذا، ولكنني التزمت بهدوئي أمامهم. اتلزمت بصمتي كما لو كنتُ قطعتُ وعدًا لا يمكن أن يُخلف.
هذه المرة ظنّوا أنني أنا المجنون. أخذوا يتغامزون ويتحدثون عنّي على مرأى مني وأحيانًا أمامي مباشرةً، يحسبون أنني أصبحت لا أسمع، أو أنني لن أنطق مجددًا أبدًا.
(ربما كانوا على حق أو ربما تنبؤوا بمستقبلي)
أصغيتُ لهم ولكل كلمة قيلت عنّي. سمعتهم يستهزؤون بي وبكلماتي في الماضي، والتي أصبحت الآن في عداد النسيان. رأيت كلّ شيء وسمعت كل شيء ولم تضعف شفتاي للنطق بكلمة واحدة ورد استهزائهم باستهزاء آخر. ثم بدأت أستمع لهم وأستمتع بما يقولونه، وبدا صمتي أمامهم بالتحديد هو استهزائي بهم وبغفلتهم. نسوا أنني فقدت قدرة ما على الحديث وليس على الإنصات. ونسوا أنني لم أفقدها بالتحديد بل كانت رغبة قوية مني بعد أن انتابتني هستيريا من الكلمات في لحظة ما من يومٍ مشؤوم. نسوا كل شيء. ولكنني لم أنسَ.
سمعت منهم كل ما يخطر ببال ولم أتحدث، سمعت منهم القيل والقال بينما بدأت خيوط أفكاري تتمزق كما تمزقت معها الخيوط بين شفتيّ أيضًا. شعرتُ أن كلماتهم تتخلل الفراغات بين شفتيّ لتُحدثَ ثقوبًا داخلي دون أن أنبس ببنت شفة ودون أن أتفاعل بأي شكلٍ من الأشكال أو كلمة من الكلمات.
تحدثوا حتى أرهقتني كلماتهم، وكأنني كنت أنا المتحدث طيلة هذا الوقت. تحدثوا وكأن حديثي سابقًا كان يردعهم عن النطق بأي كلمات غير كلماتي، مستعيرين بهذا بكل لفظة ألفظها في كلماتهم، ومتجاهلين وجود صمتٍ قد يسحق كل هذه الكلمات في لحظة إن أراد.
وانتابتني هستيريا. نوعٌ آخر من الهستيريا هذه المرة. لم أُرِد أن أتحدث مطلقًا. صمتُّ حتى كاد الصمت يشكو من صمتي وتوسل إليّ كي أذيب ذلك الجبل الجليدي فوق كلماتي. صمتُّ حتى لم أعُد أعلم لمَ كنت أتحدث من قبل ولِم اعتدتُ أن أقْحِم كلماتٍ عديدة في حديثي لم يكن لها أي معنى إلا أنها كانت مجرد ملء لفراغات بين الدقيقة والأخرى. صمتُّ حتى لم أعُد أريد أن أتعلم كلمة أخرى، وكأنني اكتفيت بمعجم الكلمات في ذاكرتي ولا أريد أن يشوبه أي لفظ قبيح من ألفاظهم وألفاظٍ جديدة لن تروق لي.
صمتُّ حتى أدركتُ الفرق بين حديث الظالم وصمت المظلوم.

ثمّ قررت أن أصمت للأبد.

الحزن والموت


No comments

Some things in the world are just too sad, too sad for you to imagine exist.


هذا العالم لن يغرِقهُ إلا محيطات الحزن في أرواح البشر، وما خلّفه منهم من رحلوا بلا عودة..

Write.


on , , ,

No comments

Write. Write because the more you cower the less you will ever be able to write. Write because no word is ever going to give the same meanings and feelings inside of you, so the least you could do is get some of this intensity out, for the sake of your own survival. Write because people need to read what you have to say when you think of the words to pen down. Sometimes it only requires one person to know we're not alone, and to know that someone, somewhere, somehow is sharing a feeling you keep within.
What you write does not have to be a wonderful prose piece; it does no even have to be by any means poetic. Poetry needs contemplation anyway and you need a simple and straightforward reassurance that you're there, you're alive, you feel like everyone else, and you carry the same sufferings as everyone else. You don't have to fight to be different in that too. At the end of the day we all experience the same feelings of guilt, reconsideration, and over-thinking. It is those minutes before sleep that also truly define us and who we are, and who we also want to be. It is these moments that let us discover ourselves within, and maybe, just maybe, do something about it someday.
Write, and I don't have to tell you about what you can write, because if you believe in Sylvia Plath's quote, you will know that everything in life is writable about if you have the outgoing guts to do it and the imagination to improvise; the worst enemy to creativity is self-doubt. But I am not asking you to be creative here nor am I asking you to be a writer per se; I am just asking you to write. Writing and being a writer are two different things.
It is okay if you do not find yourself in writing, and it is okay if you cannot even make it to the third line. Leave it. Move to doing something else. Get back to it later. Just do not let it rust out forever.
Write, because I need you to write, so badly. I need you to tell me the words in your mind and I need to know your stream of thoughts perhaps we will find some things in common, anything in common. And I am not just saying this to make myself feel better; I am saying this as a mutual benefit to both of us. Because I need to read your thoughts if I will never hear them.
I need you to write because your words will work like sun rays to the morning, because they will shine in my soul like a magic of inspiration from an unknown source and in a sudden moment.
I need you, all of you, to exist, in the same way that you are, with a few more words to write. And you will complete me, with your words, and some of my silence. And it will be my turn soon and I will write to you. I will write for you. I will write with you and I will write about you. And then you can set yourself free, and set me free with you.
Just write.

وتمضي


on , ,

No comments

وتمضي


أسوأ ما في الحياة أنها تمضي، دون إذنٍ منّا ولا سابق إنذار ودون أية استجابة لنداءات من يريدون أن يقبعوا في "الآن" ويتركوا كل ما وراءهم وما أمامهم بعد أن حصلوا أخيرًا على ما يعطيهم أحلامًا سعيدة عند نومهم وأحلام يقظة هيّنة سهلة المنال. ولكنها لا تكترث لمكوثنا ولا تستأذن أحدًا.
تنهض وبكل شجاعة وجرأة وتضرب بأحلامنا عرض الحائط، وتمسح كلمات شعرائنا وكُتّابنا وحالمينا مستعينة في كل هذا بشمسٍ في عنان السماء لا يطولها أحد، ترمي بأشعتها نهارًا وتترك المتفائلين ليلًا لينسحبوا في هدوء شديد إلى نهاية يومٍ سعيد، ويواجهوا ظُلمة ليلٍ تُسمع فيه أصوات الحزانا داخلهم وفي الشوارع الخلفية عند بيوتهم، وتطول المباني والمنازل فلا يوجد أسطح يهرب إليها أحد ليبحثوا عن نجوم السماء. ومن قال لك إن مدينتنا سمحت للنجوم بالظهور ليلًا أصلًا؟
في مدينتنا يظهر القمر بعد عناءٍ وأحيانًا كثيرة يكون قريبًا مخيفًا وله لونٌ كما لو كان به إعياء شديد، لونٌ مائلٌ إلى البرتقالي تمامًا كلون الشفق قبل رحيل الشمس، قمرٌ أضفت عليه مدينتنا طابعًا حزينًا حزنًا غير متناهٍ بعد أن أخفت من حوله وتركته مركز اهتمام أحزان الجميع وأطلال كل من كانوا هنا. وأحيانًا عندما يظهر بلونٍ صافٍ من الحزن يكون بعيدًا شديد البُعد وكأن المسافة بيننا كلما زادت كلما اجتمعت الهموم في هذه المساحة السحيقة الخالية في الفضاء.
وتعود لنا أحزاننا في اليوم التالي كأن القمر يسلم الأحزان للشمس فتتخلل أشعتها أرواحنا ولا يُترك لنا إلا ضوءٌ باهت والكثير الكثير من الأفكار المفرطة، وكم هو محظوظ من ينجو من هذا ببعض التفاؤل وبابتسامة تشفي كل هذه التفاصيل المميتة.
فلا يبقى لدينا إلا انتظار كلمات تريحنا أو عبارات تقول لن إننا لسنا وحيدين وليست هذه هي نهاية العالم وأن لكل ما هو جميلٌ نهاية حتمية لا مفر منها، فيهدأ ما بداخلنا لوقتٍ قصير ثم تمضي الحياة مرة أخرى. وتظل تمضي ونظل ننتظر ما يريحنا حتى يبدو أننا تعيش حياةً مؤجّلة ومُسوّفة لا طعم لها.
ننتظر دائمًا شيئًا ما لا ندري ما هو ولا ندري من أين سيأتي، وننتظر من ينقذنا من أنفسنا ولا ننقذ أحدًا من نفسه ولكننا لا نعدّها أنانية لأننا أحقّ منهم بالانقاذ ولأننا دائمًا نعاني أكثر من معاناتهم، ولأننا نتحدث عن ما بداخلنا.
ولكننا لا ندرك أن أكثر من يفضّلون الصمت هم على الأغلب أكثر من يكابدون.
ولكننا لا نزال أحق منهم ولا نعلم سببًا لأي من هذا استحقاق.

كتابة في عجز


on , ,

1 comment


كتابة في عجز


أردت أن أكتب أول كلمة تسقط على أصابعي ثم تهرب من القلم. أردت أن أتركها تهوى بشكل هستيري حتى وإن لم تصل إلى أوراقي، ولكنني كان يجب أن أتركها. أردت أن أكتب كل شيء. تمنيت للحظة أن تتدافع الكلمات كلها في نفس السطر فيصبح الكلام كله بلا معنى، أو أن تنزلق ويتراكم بعضها فوق بعضٍ فأغمض عيني لمرة منذ زمن طويل فقدت فيه الإحساس بالوقت.
وإذا تساقطت الكلمات كلها لتعبر عن العجز عن الكتابة، فليكن. فليسقط الحبر كله في أقصى يمين الورقة فتصبح الكلمات كلها كدماء سالت وتكونت كبقعة كبيرة على حافة الحياة، يجذبها الموت قليلًا قليلًا كلما كبُرت البقعة أكثر. حتى تفقد الحياة تمامًا، وكأنني لم أكتب شيئًا.
فلتُكتب كلمات مثل الضعف والانحناء والترهات والحب والخداع والضياع والابتلاء والفقد. فلتتراكم فوق بعضها لتتركني ولو للحظة واحدة في صمتٍ جاف، في فراغ كونيّ سحيق ليس له أبعاد ولا نهايات. حتى وإن لم تترك لي شيئًا من متناقضاتها، أحيانًا الأفضل ألا نشعر بشيء على الإطلاق.
فإنني لم أعد أقدر.
لم أعُد أقدر على شيء من هذا ولا ذاك.
لا صمتًا يحمل الكثير من الكلمات ولا كلماتٍ مجوفة خالية مما نشعر به بالفعل.
لم يعُد بوسعي أن أكتب وأنا أعلم أن كلماتي كُتبت في مكانٍ ما من قبل، بقلم شخص آخر كان يشعر بما أشعر به الآن. لم يعُد شعوره أو شعوري بأنني لست وحيدة يعطيني من العزاء ما كنت أحسه من قبل. ثم إنني لن أقدر على التعبير عمّا عبّر به هو بشكلٍ أفضل مني أو بكلماتٍ تخللت أصابعي حتى وصلت إلى قلب أفكاري، وآل بي الحال إلى تمزيق أوراقي وقتل كلماتي قتلًا رحيمًا حتى لا تظل في صراعٍ معي إلى وقتٍ غير معلوم.
ولكنني رغم كل هذا كتبت وظللت أكتب حتى تسمّرت أصابع يداي على حالها وتوقف القلم عن إهدار حبره في كلماتي. كتبت علّ شيئًا مما كتبته يتركني أو يطلقني إلى فكرة أخرى تبدأ رحلتها الطويلة في التلذذ في تعذيبي حتى أنطق بها هي أيضًا في مكانها الصحيح. ومع أنني لم ولن أعرف أبدًا إذا كنت أطلقت أفكاري في مكانها وزمانها الصحيحين، إلا أنني لا أنكف أكتب وأعافر للعثور على كلمات دقيقة في معناها حتى تصل إلى قلب القارئ كما لو كان هو الكاتب وأنا لست إلا فكرة سنحت لنفسها أن تشق طريقًا داخل سلسلة أفكاره.
كم أنّ الكُتّاب مُعذّبون. لا تعبّر كلماتهم عن نصف ما يجول في داخلهم ولا تصل إلا إلى عدد لا يفوق أصابع يدٍ واحدة من من يقرأون لهم.

ولكنهم لا ينكفّون عن الكتابة.

The Everything of Nothing


No comments

I had a moment of wanting to quit everything, of leaving whatever I am going or willing to feel aside and just sit there crouching in my bed doing what is best called the everything of nothing. I wanted to forget, to leave it all, to pretend that the world is not crushing and is soon ending, perhaps even the moment I wake up. Who knows. It was a very short moment, maybe even a split of a second before I awoke and realized I'm not that person anyway. I knew I was soon to give up, and giving up in my case meant standing and doing something. But I felt some kind of a massive headache rush through me, that rendered all my body motionless, as if my blood pressure went suddenly down to my knees, and everything felt so, so heavy. And I was somehow anesthesized unwillingly. I fought it, but it didn't fight me back. It really didn't have to, because that was what it is; some things don't even need to fight you back; you just accept them until they take their turn and then maybe they will leave you soon after you realize you gotta accept that moment to let it pass. I regained my balance, stood next to my books, they looked me in the eyes, and I started weeping, weeping like a child who lost something very precious but to grown-ups it was "childish." Things were too much on me. The heaviness of the world was in these books, and I felt like I could spend God knows how many hours reading them until I can finally feel again. I looked at each one of them, gave them a gentle touch with my fingers, like a pinky promise to come one day. And I left. I left to breathe some air and to accept what has been done to me by myself. I tried to think of moving on but it would only mean running away. And I have no power for running away from everything that keeps haunting me anyway. 
I went outside and took a deep breath looking at the sky above me, before I finally closed them and whispered.
It is going to go away some day.

طمس الحقيقة


on , , , ,

No comments

طمس الحقيقة

أحببت ذلك الوقت من اليوم، من الصباح. ساعة ما بعد موت يومٍ وحياةُ يومٍ آخر. يومٌ جديد لم تتّضح معالِمهُ بعد. اعتدتُ دائمًا أن أرقُب تلك البداية، كيف ينزوي ظلامٌ حالك ويبهت لونُ السماء ثم يصير شاحبًا حتى يتلاشى بالكامل، فيظهر بين ذلك الشحوب وبزوغ الشمس لونٌ ثالث. تحسّ أنك في عالمٍ موازٍ للحظة، ثم تعود إلى الواقع.
توّد أن تظل هناك حتى وقتٍ غير معلوم، كما لو كنتَ بين الموت والحياة، لأنه التوقيت الوحيد الذي تُصنع فيه القرارات المصيرية التي تُغيّر مجرى كونك وكينونتك.
جلست هناك، على تلك الصخرة حيث يمكنني رؤية أشعة الشمس لحظة بزوغها وحيث أستطيع أن أسحب نفسي من أي عالمٍ أنا فيه وأذهب إلى عالمٍ آخر بملء إرادتي. عالمٌ انتظرت لحظة إعادة إحيائي فيه منذ زمن.
وبدأت أكتب..
كتبتُك في أول الصفحة عُنوانًا بخط النسخ. ثم توقّفت.
مسحتُ ما كتبته. ترددت لحظة ثم مزّقت الورقة ووضعتها بجانبي. بدأتُ من جديد.
كتبتُك لا اسمًا ولكن حرفًا بخطٍ عشوائي في منتصف أعلى الصفحة. عين.
ثم من أول السطر،
"هذه ليست قصة داخل قصة، فكّر ما شئت، المهم أن تترك للواقع شيئًا ما، فلكل قصة مساحة في الواقع كمساحتها في الخيال.
اخترت أن أضعك في كلماتٍ لأن الذاكرة قد لا تسعف مع الوقت، ولأن العُمر قد يُنسي والقلبُ قد ينسى ولكنّ شيئًا ما لا ينكسر. ذلك الشعور بأن الراحلين موجودون في مكانٍ ما على هذه الأرض، في هذه المدينة أو في مدنٍ أخرى لا تعلم لها اسمًا ولا تدرك لها مكانًا على الخارطة.
أردتُ أن أكتُبك حتى تمكث قليلًا في مكانٍ ما، لأنك دائم الترحال حتى وأنت هُنا.
كتبتُك بألوانٍ كثيرة. وبأشعارٍ ليس لها عدد. كتبتُك من أول القصة، قصّتنا. وعرفتُ أن من يقرأها سيظنّ أنها قصة حبٍ لم تتكرر من قبل. ثم مزّقتُ كل شيء وبدأتُ من جديد، لعلمي أن الناس لا يدركون من الحب إلا ما بين رجلٍ وامرأة. نسوا أن الحُب لا يُحدّد بإطار كهذا. نسوا فمزّقتُ أنا أوراقي لأذكرهم.
ينسى الناس فيذكرهم من ينسون أيضًا، من يكتبون لكي لا تخدعهم الذاكرة. مثلي
كتبتُك كما لو كنتَ ذلك الليل الحالك، ذلك الظلام الذي يجب أن يظهر  بعد تلاشي أشعة الشمس وظهور ليلة قمرية بها القليل من السُحب التي تترنّح بجانب ضوء القمر. ثُم رأيتُك في كلماتي يزداد اللون فيك قتامة ويزداد الألم حِدّة فتوقّفت.
لم أجرؤ على الاستمرار وأنت تزداد حُزنًا في قصتي.
ولكنني آمنتُ أن للطريق نهاية. فعُدت إلى حبري الأسود لأُكمِل ما بدأته.
أتردد كثيرًا ثم أعود. أكتُبك بلونٍ آخر لعلّ الليل يتحوّل إلى نهار، أو إلى شفقٍ برتقالي اللون مائلٌ إلى الحياة. أغيّر القلم على أملٍ لا جدوى منه أن يتغيّر  لونُك مع كتابتي. إلا أنك تظلّ كما أنت. تظلّ كما عرفتك وجهًا لوجه. لك شخصية حادّة صارمة لا يغيّرها لا لون قلم ولا قصّة خيالية ذات أبعاد تلاشت في الواقع.
فاستسلمت لك في قصّتي. تركتُ كلّ شيء في واقعي واختبأتُ بين كلماتي لأصل إليك كما أنت. ولأتخلص من هذا العالم الواقعي وأمكث في قصة قد لا تنتهي أبدًا. لا لأنني أريد العيش للأبد، ولكن لأنني أريد الموت في قصة. ميتة غير عادية، غير واقعية. ميتة تقتل بغموضها.
تركت حبري وقلمي وغرقت داخل أوراقي. تركت كلّ شيء لتحرّكه الرياح. وتبدأ قصتنا من جديد من حيث لا أدري.
لتكتبها أنت بألوانك، وأنسى أنا من أنا."