تخبُّط


on , , , ,

No comments


تخبُّط


يوقظني حلم غريب أشبه إلى الكابوس فأتذكر أنني أمضيت ليلة البارحة أتابع النشرات الإخبارية الكاذبة المثيرة للغثيان. أسحب ستائر غرفتي في هدوء شديد حتى لا تتخلل أشعة الشمس في عيني، خوفًا من أن أرى النور وأنا لست على أتم استعداد لمواجهته، جُبن أو هرب، لا أدري. أفتح نافذتي ثم أغلقها، لا أريد أصواتًا من الخارج، يكفيني أصوات داخلية تعذبني حتى في منامي. أشرب القهوة ثم أُدرك أنني قررت أن أعتزل الطعام اليوم، ولكني أرتشفها في جرعة واحدة على أية حال وأقرر أن أستكمل اليوم بدون طعام. فمن يريد طعامًا في هذه البلدة التي تخلو من الألوان؟ أقرأ الرواية التي تركتها وحيدة بالأمس بدون أن أستكمل ما فعله البطل بعد سلسلة الأفكار التي أوشكت على هلاكه. أفتح الصفحة المليئة بأفكاره في كتاب مليء بأفكار الكاتب وأنا غارقة في محيط من أفكاري أنا. آه، ياليت لنا رصيد محدود من الأفكار في حياتنا حتى لا نغرق في أفكار غيرنا وأفكارنا وأفكار شخصيات ليست حتى بالحقيقية.
أُغلق الرواية وأقرر أن أغرق في بحر آخر من الأفكار أمام غلافها الخارجي، كيف استطاع مصور الغلاف تصوير هذا المنظر الذي يبعث للمتأمل شعورين متناقضين غير مفهومين، شعور بالإحباط والاكتئاب والذُل وشعور بالأمل والحياة والفرح.. كيف استطاع أن يجمع متناقضات الحياة، بل أن يجمع الحياة كلها في ورقة سميكة من الكرتون الذي يمكن أن يتلف بسهولة. ولكن ما يدريني أنا ولماذا أعبأ بهذه الترهات والسخافات، إنه مجرد غلاف لرواية بائسة حزينة تبعث الاكتئاب أكثر من بعثها للحياة على أية حال.
أستلقي. أنظر إلى سقف غرفتي، غريب كم ينظر كل منا إلى سقف غرفته ويستوحي  له بأفكار لا يستوحيها مكان آخر، غريب ما يفعله مجرد سقف لا شكل ولا زينة له. أغمض عينيّ وأتخيل اللا وجود، اللا كينونة، اللا شيء. أتخيل الفراغ والعدم وأتخيلني لست هنا.. لحظة رهيبة من "الانفصال عن الواقع" أو "اللا إدراك" بالمعنى الحرفي. شعور سحري ومليء بالتخبط في نفس الوقت، قد يُحدثك من حولك وأنت غير واعٍ بأنهم هنا، أو بأنك هنا، ينتابك شعور بأنك في مكان آخر وأنهم ليسوا حقيقيين وليسوا في عالمك وإنما هم غرباء، دخلاء، على أفكارك.
أبدأ في كتابة شيء ما عن هذا التردد الذي يُغرقني وعن هذا العالم الذي يملأني بالكلمات المتخبطة التي أكتبها ثم لا أفهمها ثم يفهمها غيري وأتعجب مما يقولونه وكأنهم يتحدثون عن شخص آخر كتب هذه الكلمات. أكتب وأحاول ألا أترك الخيار الأخير لي لأتنفس نوعًا من الصعداء، قليلًا من الصعداء. القليل.
ثم أتوقف .. 


Leave a Reply

Just say it.