حنين


on , ,

No comments

حنين


أحنّ إلى القليل من الحنين في كلمات وعبارات ماتت منذ زمن، وفي زمن لم تعد تصلح له الكلمات والتعازي والتهنئات، لم تعد تنفع له جميع الأوصاف، قبل أن تنتحر وتتلاشى الكلمات من قواميسنا. أحن إلى قلم وورقة أقترب منهما دون أن تنهال عليّ موجة وصفعة من آلام الرأس والصداع الذي لا ينتهي إلا بانتهائي من آخر كلمة أو بفقداني الأمل وانسحابي التام من كلماتي ومن نفسي ومن قلمي. أشتاق كل الاشتياق لخيط من خيوط شمس الصباح الذي يتخلل نافذتي دون أي إذن مني وبرغم هذا أستقبله بتفاؤل لا أعلم من أين يأتي. أحنّ إلى كلمات تأتي بعواصف في جسدي وروحي، إلى درويش ومطر ودنقل وجويدة والرافعي، إلى كل من لمست كلماته قلبي بشيء من الرقة والعذوبة التي لم أرِد أن تنتهي أبدًا. آه كم أحن إلى عبارة واحدة من عبارات الرافعي كـ" أيتها الحقيقة لا يظفر بكِ إلا سعداء الفطرة ، وما الطبيعة كلها إلا إيمان بك ودليل عليك". كلمات ربما لن تهُز البشرية يومًا كما هزّتني لحظة قراءتها. أحن إلى حنين درويش في:
"أحنّ إلى خبز أمي                        
و قهوة أمي
و لمسة أمي
و تكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم
و أعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!"
ربما في يومٍ ما، ربما، ستهتز البشرية والإنسانية بعبارات مثل عبارات الرافعي وبجدارية قريبة من جدارية درويش وتعتزم ألا تصالح ظالمًا أيًا كان على نهج دنقل.. ربما لست أدري، أقصد مؤكد أنني لست أدري ما تخبؤه لنا عقارب الساعة التي نكاد لا نشعر بصوتها. عجيب أن أكثر الأشياء التي لا تشعر بوجودها هي نفسها الأشياء التي تحتاجها أمس الحاجة إذا فُقدت دون أن تدري. أنانية إنسانية.
أتوق إلى ابتسامة عفوية من غريب من غرباء الشارع في صباح من صباحات العمل المتكدسة والمنشغلة حين يكون الناس في رحلة واحدة وبهدف واحد ونفس واحدة. إنها وحدة الروح، بدون أي آلام تُحكى دون ضحكات. غريب هو شعبنا الذي يضحك ضحكات هستيرية على أكثر الحكايات بؤسًا؛ ولكن من يدري ألا يمكن أن يكون الضحك هو السلاح الأمثل لمنع الإجهاش بالبكاء في لحظة صدق؟
صدّقني يا من تقرأ كلماتي أننا أُناس نعلم كيف نتغلب على صعوباتنا وآلامنا مع الغرباء، ولكننا لا نعلم كيف نواجهها مع الأقرباء لنا، والأصعب من ذلك.. من منّا استطاع بجرأته أن يتغلب على آلامه أمام نفسه؟ من منّا ضحك لنفسه ساعة كان يحكي لها على آلامه؟ كلنا جربنا هذه التجربة في الشوارع العمومية وأخذ المارة يحملقون فينا كأننا فقدنا عقولنا، ثم خفنا ولم نعد نتحدث لأنفسنا حتى تناسينا آلامنا، ولكنها ستظل هناك. ستظل حتى نقدر على عجزنا ونتمكن من السير في شوارع مدينتنا كالمجانين، ولكن فرحين.. أليس المجانين في نعيم؟

Leave a Reply

Just say it.