خطوات النسيان
تعريف التناسي: هو التظاهر بالنسيان وخداع العقل به، ولكنه أبعد ما يكون من النسيان. إنما هو محاولة بائسة لاسترداد فرح مفقود أو حياة قديمة أو ماضٍ زال ولن يعود ولو بكينا عليه دهرًا. في الحقيقة إن لفظ "التناسي" لفظٌ عبقري لا يوجد له نظير في أي من اللغات الأجنبية التي درستها، أو على الأقل من معرفتي. كلمة دقيقة جدًا تُعبّر عن حالة حرب داخلية مميتة بين العقل والقلب، بين الجانب العاطفي والآخر الحكيم من الجسد. كلمة من مرادفاتها "الكذب على النفس" و"التظاهر بعيش أحسن حالة من الفرح". تخيّل أن هذه الكلمة فقط تعني حربًا داخلية "عالمية"، إذ أنها في نفس كل بشريّ مرّ بحزن ما أو وجع لا يُنسى. ومن منّا لم يحزن أبدًا قبل أن يتناسى ثم ينسى. ثم إذا أمعنت التفكير والتأمل في هذه المسألة فإنك سترى أن التناسي يأتي قبل النسيان، لأن التناسي إرادة داخلية من شخصك، أما النسيان فهو إما بالتعوُد على زوال هذا الشيء - إن جاز التعبير - أو بالنضوج شيئًا فشيئًا مع الوقت. وبالتالي فنحن لا نختار من ننسى ولكن - والحمد لله - لنا حرية اختيار من "نتناسى". شعور بالذاتية والاستقلالية وإن كان اختيارًا مؤلمًا في كثير من الأحيان. ثم إننا "إنسان" من النسيان، ولذا فإن النسيان آت لا محال في مرحلة ما، ولكن المرحلة السابقة له ما هي إلا مواساة لضعفنا الداخلي ورِقة قلوبنا. ليتني أجدُ مرادفًا لهذه الكلمة بلغة أخرى، ولكن حتى وإن وجدت؛ فستظل كلمة "التناسي" العربية هي كلمتي المفضلة بدون أي ترجمة أو تحريف أو مترادف غير دقيق. فهي أدق ما يمكن أن يكون ليصف هذه الحالة. عبقرية!