ألوان النفس الإنسانية


on , , , , ,

No comments


ألوان النفس الإنسانية



من السهل أن تسأل الآخرين "هل صُدمت في من تعرفهم من قبل؟"، من السهل أن تجد الإجابة بالإيماء أو بنعم قبل أن يتسنى لهم أن يفكروا بقدر ضئيل، فالصدمات الخارجية سهلة التذكر ويسهل علينا أن نتحدث عنها بكل استفاضة، وإن كان منها ما يستحضر  ألمًا نفسيًا رهيبًا، ومع هذا كله فهي سهلة التذكر، واحدة منها على الأقل.
إنما السؤال الآخر المرعب هو: كم مرة صُدمت وأُحبِطت من نفسك؟ كم مرة أردت من نفسك شيئُا فلَم تُطِعك فيما تمنيت ولم تعبأ بما في عقلك من أحلام ومن أوامر. أتذكر كتاب "الضوء الأزرق" لحسين البرغوثي، والذي حدث في لحظة لا أعلم متى كانت، أن انضم إلى قائمة الكتب المحببة إلى قلبي حبًا جنونيًا. يصف حسين النفس في كتابه فيقول: " تعتقد طائفة الصوفية ( النقشبندية ) أن في الإنسان عدة أنفُس ، و لكل نفس هالة و ضوء خاص بها. الأزرق لون النفس الأماره بالسوء، أما الأحمر فهو لون النفس الملهمة و الأبيض لون النفس المطمئنة و الأخضر لون النفس الراضية و الأسود لون المرضية ( أرضاها الله ) أما الأصفر فلون النفس اللوامة ." أذهلتني الفكرة..للنفس ألوان؟ وصف عبقري للتعبير عن خبايا النفس، إذ أن الألوان كالثورة، منها ما يهدأ ومنها ما يثور على مراحل (في هذه الحالة درجات) ليفاجئنا بعاصفة وثورة داخلية لا يدري بها أحد، وقد يجهلها الـ"مُثار" عليه أيضًا.
ثم إن هذه الكلمات تدفعني للتفكير، يا ترى أي نفس تغلب عليّ؟ هل هي النفس الزرقاء؟ ولمَ لا؟ فكُل منّا له نفسه الأمارة بالسوء والتي يتصارع معها ليل نهار؟ ولكن من يهزِم ومن يُهزم في النهاية؟ من يثور ومن يصمد ومن يتحمل ومن يُثابر ويعافر؟ في هذه الحال تكون العبرة في المعركة بنفس قدر عبرة النهاية. من يأتي على عجل ومن يأتي متكاسلًا متثاقلًا كمن تسحبه قدماه من نوم عميق؟ من يأتي على الموعد.
ثُم أتذكر عبقرية من عبقريات درويش..
"فكمّ من مرة
جئتُ إلى نفسي على الموعد
لكن.. لم أجِدني!"
إن أردت أن أعطي لنفسي لونًا، فقد أعطيها اللون البنفسجي، فهو قد يرمز إلى الغرور والقسوة. الغرور لأنها لا تأتي على الموعد والقسوة لأنها تتلذذ بمشاهدة صدماتي المتكررة والمتتالية دون توقف ودون إرهاق ودون كلل أو ملل.
ولكن ألا يمكن أن تكون أنفسنا عبارة عن قوس قزح؟ إذ أنها ليست دائمة القسوة والغرور أو التكبر؟ لا لا، فألوان قوس القزح مشرقة، فلنقل.. لونًا واحدًا متدرجًا؟ كلما ازدادت حدّته (أي مالت درجته إلى الداكن) كلّما ازداد الوهن والألم؟ أي أن النفس هي التي تغلب وأنت تُغلب؟ ألا يمكننا أن ننظر إلى المعركة بهذه الطريقة حتى نتغلب بطريقة ما على درجات من هذا اللون لتظل لنا الدرجة الأفتح فالأفتح حتى نصل إلى الأبيض لننال صفاء النفس الإنسانية ونستحق لقب "إنسان"؟ فلنجرّب.



Leave a Reply

Just say it.