فقاعة النفس


on , ,

No comments


فقاعة النفس



لطالما تمنيت أن تكون هالتي مرئية، كنت دائمًا ما أشعر أنها مفترق الطريق بين أفكاري وأفكار الآخرين التي أريد أن أنفصل عنها، فأستعين بهذه الهالة لأعود إلى نفسي، ولأتقوقع داخلي وأنكمش بجلدي إلى الداخل بطريقة ما. ثم قررت في لحظة ما أن أسمّيها "فقاعة النفس"، تلك التي يقفز كلٌ منّا بداخلها وقت حاجته، أو عندما ينهال عليه سيل من الواقع فينزلق بكل ما بداخله فيها، ليحتمي؟ ربما وربما لا -  ربما هو مجرد بيت زجاجي مؤقت لن يدوم طويلًا. 
هذه الفقاعة التي احتملت كمًا مرعبًا لا يُعد من أفكاري حتى تمنيت ورفعت يدي في لحظة ما آملة أن أتخلص منها. تمنيت أن تكون لأفكاري أجساد تكبر وتصغر حسب قوة الفكرة ومدة عنادها داخل رأسي، حتى تنفجر هذه الفقاعة وتتحول إلى جزيئات من الأفكار التي ستتحلل أو تتبخر في الهواء فيما بعد، ويتخلص منها العالم أجمع.
ثم خفت أن تصمد وتعافر فكرة ما وتغوص في عقل شخص آخر، فينقضي بي الحال إلى خوف آخر لا ينتهي. فتمنيت أن أخرج خارج جلدي وخارج نفسي وأترك هذه الفقاعة، أهرب من داخل داخلي، لأرحل إلى أخرى لعلي أجد فيها أفكارًا أكثر هدوءً وأكثر استرخاءً. لعل بها شخصًا يعرف ما أجهله. تمنيت أن أخرج خارج نفسي وأتقمص دورًا لا هوَ لي ولا مني، لأنظر إليّ من مسافة بعيدة وأراني من خارجي كيف أكون، وماذا أكون. تمنيت أن أجد إجابات للعديد من الأسئلة التي تقتلني ولا تتركني: مثلًا كيف يحتلّني صمتٌ مخيف في أشد الأوقات حاجة للكلام، وكيف تعذبني كلمات دائمًا ما تخرج على غير موعد. كيف تحدثُني ولا أتمكن أن أعطيك كلمة أو أرفع شفة من على الأخرى لأنطق بكلمة واحدة، فقط أبتسم ويغرقني صمتٌ غير مفهوم. تمنيت أن أعرف كيف تراني وكيف يراني من يظنّ أنني من شدة الإخلاص أكاد أغيّر العالم، وكيف لا يدركون أن العكس هو الصحيح، وأنني محيط يصب فيه العالم تغييرًا يوميًا دون أن يراه أحد. تمنيّت أيضًا أن أكون أنت وأترك لك كلمات قد لا أتفوّه بها وأنا بداخل فقاعتي ونفسي، ثم أهرب إلى حيث أشاء وقد ارتاحت شفتاي اللتان تحملتا الكثير من الكلمات وراءهما.
تمنيّت أن أخرج من داخلي وأن أحطّم أسواري وأصارع مخاوفي وأحرر كلماتي.
تمنيّت ألا تكون لي فقاعة، تمنيّت ألا أكون.. تمنيّت ..




Leave a Reply

Just say it.