اعترافات
تبدأ ليلتك بفتح جهازك الخاص والذي بات
يحوي جميع أسرار حياتك منذ أول فكرة تفكر فيها صباحًا وحتى آخر أغنية تدندنها
مساءً في طرقات منزلك وفي لحظات مختلفة من مزاجك. وبدلًا من أن تذهب إلى ورقة وقلم
وتكتب اعترافاتك لنفسك، تأتي هنا وعلى هذه الصفحات القتيلة والتي ليس لها أي ملمس
ناعم تحت يديك يعطيك دفئًا تحتاجه للبوح بما تهرّبت من قوله لنفسك لأيام أو
أسابيع، أو ربما شهور. الهروب سهل والكسل أسهل.
تبدأ أصابعك في تحسس ملمس الحروف،
وتنسى أنه لا ملمس لهذي أيضًا، فتبدأ بالكتابة آملًا أن تكون الكلمات رحيمة على
مسامعك بعد سكبها على الورق بقصد أو بدون قصد.. ثم تبدأ اعترافاتك –
ينهال عليك وابل من الصواعق التي
تفاجئك بأنك ككل من قابلتهم في حياتك واستخففت بهم. تكتشف أنك لا تنتمي للأشخاص
المميزين بشيء ولا تمُت لهم بصِلة بل أنك أقل من العادي. تصبّ أفكارك على الورق
فإذا بها كأفكار من يجلس بجانبك على مقعد الحافلة التي تقلّك إلى عملك في الصباح
الباكر وأنت منهك من نوم البارحة، أو تذهب بك إلى منزلك قبل أن تسير مسافة عشرة
دقائق لتصل إليه بعد أن تهبط بكامل جسدك في شوارع تتمنى أن تهرب منها ومن ضجيج أفكار
المارة سواءً كانت أفكارًا منطوقة أم أفكارًا قمِعت للداخل. وتصعد سلّم منزلك
بأفكار تركها غيرك على كل درجة من السلّم لتستلمها وفي ذهنك أنك خارق العادة بهذه
التخيلات. ثم تضع مفتاح الباب في مكانه وتتحول لشخص آخر داخل سجن آخر خارج أعماقك،
فأنت الآن في سجنين، بل ثلاثة، سجنك الداخلي الخاص ثم سجنك في شوارع مدينتك وسجنك
داخل منزلك. تتحول إلى إنسان لا تعرفه حتى إنك تعجز عن التعرف على نفسك، تسقط على
إنسانيتك ما يسحقها ثم يحوّلك إلى نوبة مخيفة من الغضب والحنق الذي لا تستطيع
التعرف عليه وتبدأ في الشجار بسبب أو بدون سبب مع فرد من الأسرة، أي فرد، المهم
أنه يجب أن يكون هناك شجار يحرر كبتك طوال اليوم في المعركة اليومية.. ولكن ليت
هذا أيضًا يعطيك لحافًا من الطمأنينة ليلًا. حيث تأتي الحلقة الليلية المعتادة من
إعصار اللومات وتأنيب الضمير ومحاسبة النفس، ولمَ لا، فوجود عقلك ليحاسبها هو فقط
ما يبقيك على حافة الجنون، فقط هو. وتأتي الحقائق الواحدة تلو الأخرى لتعطيك جرعة
من نوع "أنت عادي" أو "ما أنت إلا كذبة كأكاذيب الزمان". تبدأ
في إحصاء أكاذيبك اليومية حتى تنسى العدد الصحيح وتنسى إذا كنت صادقًا في تلك
العبارة أم أنك كنت ترضي بها نقاشًا لا فائدة منه أو تحاول متعاطفًا مع مُحدّثك في
الطرف الآخر، إلا أنه كذب من قال إن الكذب أنواع.
أظنّ أن الثلاثين دقيقة قبل نومك هي
الدقائق الوحيدة الخالصة المخلصة النقية الصافية من أية نوايا سيئة أو رياء أو
شفقة أو أي فكرة مريضة من هذه الأفكار. كما أعتقد أنها الوحيدة التي قد تخرجك من
يوم سيء لترحبا معًا بيوم قد يبدأ بالنوايا الحسنة أو بمحاولة واحدة بائسة لأن
تكون إنسانًا أفضل مع نفسك ومع الآخرين، ومع ربّك قبل أي من هذين الاثنين.
ولكنني أؤمن كل الإيمان أن الظنّ الحسن
والجميل في الله هو ما سيرشدك إلى طريق يخفف يومًا بيوم هذه الدقائق قبل أن تنام
في طمأنينة وتتلحف بالسلام الداخلي.. فقط الله.