تذبذُب


on , , , ,

No comments

تذبذُب 




كتبتُ لصديقٍ في صباح خريفي مرة :
إليك وإليك فقط، يأتي الخريف ولا أستطيع إلا أن أتذكر أيامنا، عندما كُنت مبعث بهجتي ولوحة ألوان الطيف في عالمي الداخلي، في روحي، أتذكر ألوانك المجنونة وألوانك الرقيقة كل الرقة، ألوان روحك التي لوّنت بها روحي في عالم كان ينظر إلينا بأعينٍ لا لون ولا طعم ولا مزاج لها. ولكنني الآن أكتب بلوني الحياة والموت، فقد ماتت الألوان من بعد شحوب ألواننا معًا وبعد أن تغيّر كِلانا لشخص لا يستطيع هو نفسه أن يفهمه.
بعد رحيلك ورحيلي، بعد رحيلنا معًا تشكّلتْ في أعماقي نفسان لا أعرف أيًا منهما؛ بحثتُ في بادئ الأمر وأنا على يقين أن البحث الداخلي لا بُد أن يأتي بنتيجة ما ولو كانت سيئة وقبيحة. ولكنّي لم أجد لا هذا ولا ذاك. بحثتُ حتّى ذبُلت أطراف مشاعري كما لو كانت كأصابع أنهكها النبش في التراب. وعدتُ بعينين لا لون لهما بعد أن فشلت في العثور على لونٍ من ألواننا، لون طيفٍ من أطيافنا، لونٌ واحد. وجدتُ أنّي مليئة بالمعارك التي تدور بين إنسان وآخر، وأنا الثالث الذي هو ليس إلا أرض المعركة. وجدتني أغضب في أوقات حتى أصل إلى الحِنق بدون عُذر أختلقه أو مبرر يصلح، ثُم وجدتني في أحيانٍ أخرى هادئة كرياح الصيف التي تكاد تكون غير موجودة. وجدتُ أنني أستيقظ وعلى قلبي هموم وأحزان الدنيا التي أتت وتأتي بدون سابق إنذار وتُلقى عليّ كما لو كانت تقول لي "صباح الخير؟" ثم تضحك وتستطرد "لن تناليها" وعلى هذا أمضي بقية يومي الذي أتمنى أن ينتهي، فقط لأستيقظ في الصباح التالي بتفاؤل لا أعلم ماهيته ولا أعلم أسبابه حتى أنني أظنّ أنه لا يليق بي سعادة كهذه فأحاول العودة إلى الأمس ولكنني أحاول إقناع نفسي (أية نفسٍ منهما) أنني ربما أعاني من حالة تغيّر فجائي في شخصيتي فأتركني اليوم وأنتظر غدًا آخر. وأظل على هذا الحال يا صاحبي حتى يبتلعني الإرهاق والذبول ويكاد يُهيّأ لي أنني أعيش حالة أبدية من "انتظار الغد" ونسيان ما فيَ الآن.
أرهقني التذبذب يا صديقي، يقتلني هذا الإحساس الذي جاء بدون سابق إنذار أو تحذير. أكاد أجزم أنني أموت وأحيا على شخص آخر بشكل يومي: يقتلني شخصي الحزين ويجني عليّ شخصي الفرِح بالجنون البطيء. ألا يوجد زرٌ ما يعطيك مفرًا من واحدٍ منهما؟ ألا يوجد شيء ما، أي شيء، يحميك من استيقاظة الصباح التي كانت ساعتي المفضلة من اليوم، ببهجتها ودفئها وشمسها، ويسحبني من هذا التذبذب الذي سبب لي صداعًا قاتلًا لا يتركني يومًا.
أهي دوامة التذبذب التي تبتلعني داخلها أم هي ألوانٌ فقدتها في حياتي بعدك أحيَت كل كابوس يمكنه أن يسحبني للداخل ويقسمني نصفين لا أعرف كلاهما؟ أم هو رحيلك عنّي؟

هل لي أن أرى أطيافنا مرة أخرى؟ أم أنني قد أراك في هذه الدوامة يومًا ما ويعلم الله من سيلوّن الآخر مرة أخرى؟

Leave a Reply

Just say it.