وصية الحزن
ولدي،
يومًا ما،
وبدون سابق إنذار، ستحزن يا ولدي. ستحزن وستعجز عن الحديث عن سبب حزنك، وستعجز عن
معرفة سبب حزنك أحيانًا كثيرة. سيظن الناس منك غرورًا أو غطرسة أو تكبُّر. دعهم يا
ولدي، فالناس يتحدثون، وسيتحدثون إن قلت أم لم تتفوه بكلمة.
ستحزن لأيام،
ربما لساعات فقط، وربما يمتدّ الحزن لليالٍ لا تنتهي فتنسى أنك حزين أو تتناسى
فتنسى ثم تغضب وتتراكم داخلك الكلمات فتمتلئ بالجهل بأن السبب الأول لكل هذا يا
ولدي هو حزنك.
ستتجاهله
أحيانًا، ثم سيصحبك أحيانًا أخرى مطالبًا إياك بالجلوس معه والحديث عن طريقة تُحرركما
معًا، أو تُطلقكما إلى مكانٍ آخر بعيد، كلٌ على حِده. اجلس يا ولدي وكأنك تخاطب
شخصًا يحمل حنقًا لا متناهيًا تجاهك. اجلس وتحدث وتشاجر مع حزنك. ارهقه ودعهُ
يرهقك. استنزفه بل واطلق له العنان لاستنزافك وابتلاعك. دعه يكسر كل فكرة من
أفكارك بل ويمزقها قطعًا صغيرة فيضطرك إلى تجميع أفكارك المبعثرة، على الأرض التي
ستمتلئ بالحزن، وإصلاحها مرة أخرى كما لو كانت قطعًا لصورة ما أو أحجية لن تبدو
كما هي مع خطأٍ واحد فقط.
إياك أن
تستسلم للمعركة أو تدفن حزنك في مكانٍ ما مع شخصٍ ما حتى وإن كان هذا الشخص صندوق
تلقمه أسرارك وتنسى ما تحكيه له من فرط ثقتك.
احزن يا ولدي.
احزن بأشد ما استطعت من الصخب ولا تترك هدوءً داخلك يدفعك للجنون قبل أن تستنزف كل
ما بداخلك وتمتلئ بيقينٍ فيما بعد بعودتك إلى نفسك، عُد إلى هدوئك المعبأ
بالطمأنينة. اسكن داخلك في سكون شديد.
ثم ربِّت على
كتفيك وأنت مغمض العينين. وابتسم ابتسامة أخيرة.
ثم..
"افرح
بأقصى ما استطعت من الهدوء، لأن موتًا طائشًا ضلّ الطريق إليكْ"
اتخيل ولدك المستقبلي سيشكرك على هذه الوصايا، و هذه بالتحديد. كم نحتاج بأن يقول لنا شخص أن حزننا الذي لا نفهمه مقبول و إن حاولنا محاربته سيتملكنا تماماً.
أحببت نهاية الوصية كثيراً، استخدامك لهذا الاقتباس في محله.
Nice Piece
شكرًا يا شباب :)